من مصر عسكرا كبيرا زهاء خمسين ألف رجل من البربر وسائر الناس ، فالتقوا بحمص فهزمهم أحمد المعتضد ، ولما التقوا جعل أحمد على ميمنته ذا السيفين إسحاق بن كنداجيق وعلى ميسرته محمد بن أبي الساج ، فانهزم المصريون وهربوا إلى مصر ودخل أحمد المعتضد دمشق (١).
قال أحمد بن حميد بن أبي العجائز :
دخل أبو العباس أحمد المعتضد دمشق قبل أن ولي الخلافة ، دخلها من باب الفراديس ، فلما بلغ إلى باب البريد التفت فنظر إلى مسجد الجامع ، وقف وعنّ (٢) دابته فقال : أي شيء هذا؟ فقيل : هذا مسجد الجامع. قال : وأيش هذه الزيادة التي قدامه؟ فقالوا : هذه تسمى الزيادة ، فيها التجار ، ويدخل منها إلى مسجد الجامع ولكل باب للمسجد زيادة مثل هذا تشبه الدهاليز ، بناء مبني بقناطر وأروقة فاستحسنها وقال : ما في الدنيا مسجد جامع عني به ما عني بهذا المسجد. ثم سار ونزل الراهب على باب دمشق أياما ثم خرج منها إلى حرب أبي الجيش عند طواحين الرملة (٣). وواقعه في سنة إحدى وسبعين (٤).
قال أبو بكر بن أبي الدنيا (٥) :
استخلف أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن محمد في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله. وله إذ ذاك سبع وثلاثون سنة.
__________________
(١) انظر البداية والنهاية ٧ / ٤٢٥ (ط دار الفكر) والنجوم الزاهرة ٣ / ٥٠.
(٢) عنّ دابته : جعل لها عنانا (انظر اللسان).
(٣) الطواحين : موضع قرب الرملة من أرض فلسطين بالشام ، كانت عنده الوقعة المشهورة بين خمارويه بن أحمد بن طولون والمعتضد بالله في سنة ٢٧١ ه انصرف كل واحد منهما مفلولا ، كانت أولا على خمارويه ، ثم كانت على المعتضد (معجم البلدان ٤ / ٤٥).
(٤) وقعة الطواحين هزم فيها أبو العباس خمارويه ، فركب خمارويه حمارا هاربا منه إلى مصر ، ووقع أصحاب أبي العباس في النهب ، ونزل أبو العباس مضرب خمارويه ولا يرى أنه بقي له طالب ، فخرج عليه كمين لخمارويه كان كمّنه له خمارويه وفيهم سعد الأعسر وجماعة من قواده وأصحابه ، وأصحاب أبي العباس قد وضعوا السلاح ونزلوا ، فشد الكمين عليهم فانهزموا ، وتفرق القوم ، ومضى أبو العباس إلى طرسوس في نفر قليل من أصحابه ، وذهب كل ما في العسكرين. انظر تاريخ الطبري ٥ / ٥٩٠ حوادث سنة ٢٧١ والبداية والنهاية ٧ / ٤٢٥ (ط دار الفكر) وانظر تفاصيل واسعة وردت في النجوم الزاهرة ٣ / ٥٠ ـ ٥١.
(٥) من طريقه رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٤.