الناس ، فرايته وعليه قباء أصفر ، فسمعت رجلا يقول : يا قوم ، الخليفة بقباء أصفر بلا سواد قال : فقال له أحد الجيش : هذا كان عليه وهو جالس في داره ببغداد ، فجاءه الخبر بعصيان وصيف ، فخرج في الحال عن داره إلى باب الشّمّاسيّة فعسكر به ، وحلف ألّا يغيّر هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف ، وأقام بباب الشماسية أياما حتى لحقه الجيش ، ثم خرج ، فهو عليه إلى الآن ما غيّره.
قال إسماعيل بن إسحاق القاضي (١) :
دخلت على المعتضد فدفع إليّ كتابا. نظرت فيه فكأنه قد جمع له الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم لنفسه ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، مصنف هذا الكتاب زنديق ، فقال : لم تصحّ هذه الأحاديث؟ قلت : الأحاديث على ما رويت ، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة ، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر ، وما من عالم إلّا وله زلة ، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه ، فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب.
حدث (٢) صافي الحرمي (٣) قال :
مشيت يوما بين يدي المعتضد وهو يريد دور الحرم ، فلما بلغ إلى باب شغب (٤) ، أم المقتدر ، وقف يسمع ويتطلع من خلال (٥) الستر ، وإذا هو بالمقتدر ، وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها وهو جالس وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن ، وبين يديه طبق فضة فيه عنقود عنب في وقت فيه العنب عزيز جدا ، والصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدّور ، حتى إذا بلغ الدّور إليه أكل عنبة واحدة مثل ما أكلوا حتى فني العنقود ، والمعتضد يتميّز غيظا. قال : فرجع ولم يدخل الدار ، ورأيته مغموما فقلت : يا مولاي ، ما
__________________
(١) الخبر من هذا الطريق رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥ وابن العديم في بغية الطلب ٢ / ٨١٨ نقلا عن أبي بكر الخطيب. ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٤٦٨ (ط دار الفكر) من طريق البيهقي ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٥٨٩.
(٢) الخبر ورواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ٢١٦ وما بعدها من طريق علي بن المحسن القاضي بسنده إلى صافي الحرمي. ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٤٦٨ (ط دار الفكر) نقلا عن أبي بكر الخطيب ، مختصرا.
(٣) في البداية والنهاية : صافي الجرمي.
(٤) في البداية والنهاية : شعث ، تحريف.
(٥) في تاريخ بغداد : خلل في الستر.