من الخلفاء. قال : فأيها أطيب؟ قال : ما عمله الواثق. قال : أحضرنيه فأحضره حبا عظيما يحمله عدة ، ففتح فإذا بغالية قد ابيضّت من التعشيب وجمدت من العتق في نهاية الذّكاء ، فأعجبت المعتضد وأهوى بيده إلى حوالي عنق الحب (١) ، فأخذ من لطاخته شيئا يسيرا من غير أن يشعث رأس الحب (٢) ، وجعله في لحيته وقال : ما تسمح نفسي بتطريق التشعيب على هذا الحب ، شيلوه ، فرفع ، ومضت الأيام فجلس المكتفي [للشرب](٣) يوما ، وهو خليفة ، وأنا قائم على رأسه فطلب غالية فاستدعى الخادم وسأله عن الغوالي ، فأخبره بمثل ما كان أخبر به أباه ، فاستدعى غالية الواثق ، فجاءه بالحب بعينه ففتح فاستطابه ، وقال : أخرجوا منه قليلا ، فأخرج منه مقدار ثلاثين أو أربعين مثقالا ، فاستعمل منه في الحال ما أراد ، ودعا بعتيدة (٤) له فجعل الباقي فيها ليستعمله على الطعام (٥) ، وأمر بالحب فختم بحضرته ورفع.
ومضت الأيام وولي المقتدر الخلافة ، وجلس مع الجواري يوما وكنت على رأسه ، فأراد أن يتطيّب فدعا الخادم وسأله ، فأخبره بمثل ما أخبر به أباه وأخاه ، فقال : هات الغوالي كلها ، فأحضر الحباب (٦) كلها ، فجعل يخرج من كل حب مائة مثقال وأقل وأكثر ، فيشمّه ويفرقه على من بحضرته ، حتى انتهى إلى حب الواثق فاستطابه فقال : هاتم عتيدة حتى يخرج منه إليها ما يستعمل ، فجاءوه بعتيدة فكانت عتيدة المكتفي بعينها. ورأى الحب ناقصا والعتيدة فيها قدح الغالية ما استعمل منه كثير شيء فقال : ما السبب في هذا؟ فأخبرته بالسبب (٧) على حاله ، فأخذ يعجب من بخل الرجلين ، ويضع منهما بذلك ، ثم قال : فرقوا الحب بأسره على الجواري ، فما زال يخرج منه أرطالا أرطالا وأنا أتمزق غيظا ، وأذكر حديث العنب وكلام مولاي المعتضد إلى أن مضى قريب من نصف الحب ، فقلت له : يا مولاي ، إن هذه الغالية أطيب الغوالي وأعتقها وما لا يعتاض منه ، فلو تركت ما بقي منها لنفسك ، وفرقت من غيرها كان أولى. قال : ـ وخرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد ـ فاستحيا مني ،
__________________
(١) في مختصر ابن منظور : «الجب» والمثبت عن تاريخ بغداد ، وقد صوبناها في كل المواضع من الخبر.
(٢) في مختصر ابن منظور : «يشعب رأس الجب» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٣) زيادة عن تاريخ بغداد.
(٤) العتيدة : الطبلة أو الحقّة يكون فيها طيب الرجل والعروس (القاموس).
(٥) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي تاريخ بغداد : الأيام.
(٦) في مختصر ابن منظور : الجباب.
(٧) في تاريخ بغداد : فأخبرته بالخبر على شرحه.