قال : فأخذت الكتاب وصرت به إلى محمد بن أحمد بن عيسى (١). فلما نظر فيه رمى به إليّ ثم قال : يا أخا يشكر ، ما بآراء النساء تتم الأمور (٢) ولا بعقولهن يساس الملك ، ارجع إلى صاحبك فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته الخبر على حقّه وصدقه. فقال : وأين كتاب أم الشريف؟ فدفعته إليه فقرأه وأعجبه شعرها (٣) ، ثم قال : والله إني لأرجو أن أشفّعها في كثير من القوم. فلما كان من فتح آمد ما كان أرسل إلي المعتضد فقال : يا شعلة هل عندك علم من أم الشريف؟ قلت : لا ، والله ، قال : فامض مع هذا الخادم فإنك ستجدها في جملة نسائها. قال : فمضيت ، فلما بصرت بي من بعيد سفرت عن وجهها وأنشدت :
ريب الزّمان وصرفه |
|
وعناده (٤) كشف القناعا |
وأذلّ (٥) بعد العزّ منا |
|
الصّعب والبطل الشجاعا |
ولكم نصحت فما أطع |
|
ت وكم حرصت بأن أطاعا |
فأبى بنا المقدار (٦) إلّا |
|
أن نقسّم أو نباعا |
يا ليت شعري هل نرى |
|
يوما لفرقتنا اجتماعا (٧) |
قال : ثم بكت حتى علا صوتها ، وضربت بيدها على الأخرى وقالت : يا أبا شهاب ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، كأني والله كنت أرى ما أرى (٨) فقلت لها : إن أمير المؤمنين وجّه بي إليك ، وما ذاك إلّا لجميل رأيه فيك ، فقالت لي : فهل لك أن توصّل لي رقعة إليه؟ قلت : هل لي فدفعت إليّ رقعة فيها :
قل للخليفة والإمام المرتضى |
|
وابن الخلائف من قريش الأبطح |
__________________
(١) محمد بن أحمد بن عيسى كان قد خرج على الخليفة وتحصن بآمد ، فقصده المعتضد ومعه ابنه أبو محمد المكتفي بالله فحاصره بها فخرج إليه سامعا مطيعا فتسلمها منه وخلع عليه وأكرم أهلها. انظر خبره في البداية والنهاية ٧ / ٤٥٨ (ط دار الفكر) والمنتظم لابن الجوزي ١٢ / ٣٩٨ حوادث سنة ٢٨٦ وتاريخ الطبري ٥ / ٦٢٩ (حوادث سنة ٢٨٦).
(٢) في المنتظم : الدول.
(٣) في المنتظم : فأعجبه شعرها وعقلها.
(٤) كذا في مختصر ابن منظور والمنتظم ، وفي الجليس الصالح : معتادة.
(٥) كذا في مختصر ابن منظور والمنتظم ، وفي الجليس الصالح : فأذل.
(٦) كذا بالأصل والجليس الصالح ، وفي المنتظم : المقدور.
(٧) عجزه في المنتظم : من بعد فرقتنا اجتماعا.
(٨) في المنتظم : ما أنا فيه.