ولا ينصبه وهذا يستحيل أن يكون مفرد معرب بغير شيء نعربه ، فلهذا يبطل الجر وصار حتى ها هنا بمنزلة الواو ، وأما بيت الفرزدق (١) :
فوا عجبا حتى كليب تسبني |
|
كأن أباها نهشل أو مجاشع |
فلو ذكرنا قبل حتى لفظ السب كقولك : يا عجبا يسبني الناس حتى كليب تسبني ، لجاز في كليب الرفع والجر ، فالرفع على الابتداء والخبر والجر على الغاية (٢) ويكون يسبني توكيدا للسب المتقدم ، وإذا رفعت فعلى الابتداء والخبر ، إلا أن البيت لمّا لم يذكر في أوله السب لم يجز أن يخفض كليبا ؛ لأنه يبقى يسبني معلقا بغير شيء ، فلهذا لم يجز عندنا إلا الرفع ، وقد أجاز الخفض فيه أهل الكوفة (٣) وحملو الكلام على المعنى ، والأجود قولنا ؛ لأن اللفظ له حكم وليس كل ما جاز على المعنى يجوز على اللفظ (٤) فاعرفه.
__________________
(١) البيت من البحر الطويل وهو في الديوان : ١ / ٤١٩ وجاء في الكتاب ٣ / ١٨ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ١٣٨ والمقتضب ٢ / ٤١ ، وشرح أبيات سيبويه للنحاس ٢٧١ ، وشرح المفصل ٨ / ٨ و ٨ / ٦٢ ، ومغني اللبيب ١٧٣ ، وشرح شواهد المغني للسيوطي ١ / ١٢ ـ ١ / ٣٧٨ ، وأورد شيئا من القصيدة ، والهمع ٤ / ١٦٩ ، والخزانة ٩ / ٤٧٥.
والفرزدق : هو همّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن مجاشع ، وسمّي كذلك لأنه شبّه وجهه بالخبزة.
طبقات فحول الشعراء ١ / ٢٩٨.
(٢) وهذا ما ذهب إليه ابن هشام فقال في المغني :
" ولا بد من تقدير محذوف قبل (حتى) في هذا البيت ، يكون ما بعد (حتى) غاية له ، أي :
فوا عجبا يسبني الناس حتى كليب تسبني ..." ١ / ١٣٧ (ط ٢ دار الفكر).
(٣) قال الفراء في البيت :
" فإن الرفع فيه جيد ، وإن لم يكن قبله اسم ، لأن الأسماء التي تصلح بعد حتى منفردة إنما تأتي من المواقيت ، كقولك : أقم حتى الليل. ولا تقول : أضرب حتى زيد ، لأنه ليس بوقت ، فلذلك لم يحسن إفراد زيد وأشباهه ، فرفع بفعله ، فكأنه قال : يا عجبا أتسبني اللئام حتى يسبني كليبيّ ، فكأنه عطفه على نية أسماء قبله. والذين خفضوا توهموا في كليب ما توهموا في المواقيت ، وجعلوا الفعل كأنه مستأنف بعد كليب ، كأنه قال : قد انتهى الأمر إلى كليب ، فسكت ، ثم قال : تسبني". انظر معاني القرآن ١ / ١٣٨.
(٤) في الأصل : العطف.