واعلم أن إقامة الآلة مقام المصدر جائز ، وإنما الغرض فيه الاختصار فإذا قلت [ضربت](١) زيدا سوطا واحدا ، دل ذكر السوط على أن الضرب به وقع ، ويثنى ويجمع فتكون تثنيته وجمعه دلالة على الضرب فإذا قلت : ضربت زيدا مئة سوط فالمعنى مئة ضربة بسوط واحد.
واعلم أنك إذا قلت : أنت سيرا سيرا ، فإنما المعنى أنت تسير سيرا فحذفت الفعل لدلالة المصدر عليه إذ كان مشتقا من لفظ المصدر ، ومع هذا فإنهم جعلوا أحد المصدرين بدلا من الفعل ، ويجوز أن يكون حذفوا الفعل ههنا ؛ لأن المبتدأ يجب أن يكون خبره هو والسير غير أنت فدلّ ذلك على المحذوف وهو يسير ، وقد يجوز الرفع فتقول : أنت سير سير ، فالرفع على وجهين : أحدهما أن يكون التقدير : أنت صاحب سير فحذف الصاحب وأقيم السير مقامه ، ومثل هذا قول الخنساء :
ترتع ما علقت حتى إذا ادّكرت |
|
فإنما هي إقبال وإدبار (٢) |
أي صاحبة إقبال وإدبار.
والوجه الثاني أن تجعل المبتدأ هو على سعة الكلام ويكون المعنى فيه أن السير كثر منه فجرى مجراه.
وأما مرحبا وأهلا فإنما حذف الفعل منه على وجهين :
__________________
(١) زيادة ليست في الأصل يقتضيها السياق.
(٢) البيت للخنساء وهو من البحر البسيط وهو في ديوانها ٥٣ ، وفي الكتاب ١ / ٣٣٠٧ ، والكامل ١ / ٣٧٤ و ٣ / ١٣٥٦ ـ ١٤١٢ ، والمقتضب ٣ / ٢٣٠ ـ ٤ / ٣٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه للنحاس ٥٥ ، وشرح أبيات سيبويه للسيرافي ١ / ٢٨٢ ، والخصائص ٢ / ٢٠٣ ـ ٣ / ١٨٩ ، وفي أمالي ابن الشجري ١ / ١٠٦ ، وفي شرح المفصل ١ / ١١٥ ، وفي اللسان (رهط) ٩ / ١٧٧ ـ (قبل) ١٤ / ٥٤ ـ (سوا) ١٩ / ١٣٥ ، وفي خزانة الأدب ١ / ٤٣١.
ورواية الديوان : ترتع ما رتعت حتى إذا ... والخنساء هي تماضر بنت عمرو بن الشريد ، عاشت في الجاهلية والإسلام. انظر الشعر والشعراء ١٢٢.