موضع الحال كقولهم : أرسلها العراك ، فالتقدير : أرسلها تعترك (١) العراك ، فالعراك نصب على المصدر ، والمصادر تكون معرفة ونكرة ، وتعترك هو الحال فأقيم العراك مقامه (٢).
والوجه الثاني : أن المصادر التي فيها الألف واللام قد تقوم مقام فعل الأمر كقولهم : الحذر الحذر ، والأفعال مع فاعلها جمل ، والجمل نكرات ، فلما جاز أن يقوم المصدر الذي فيه الألف واللام مقام الفعل في الأمر / جاز أن يقوم مقام الحال لما ذكرناه ، واشتقاق الجمّاء من الجمّة وهو الشعر المجتمع على الرأس (٣) فمثّل كثرة الناس بالشعر وإنما أنث فقيل الجماء : لأن المصادر قد تؤنث كقولهم ضربته ضربة.
وإنما قيل الغفير بغير لفظ التأنيث ؛ لأنه فعيل في معنى مفعول ، كأنه غفر بعضهم بعضا أي غطى ، فلهذا لم يؤنث الغفير كما يقال : كف خضيب.
وأما قولهم : هذا زيد حقا ، والحق كالباطل فالنصب على المصدر كأنك قلت : أحقّ الحقّ ، وأحقّ حقا لا أتوهّم الباطل ، وإنما تذكر هذه المصادر بعد الجمل توكيدا ؛ لأن الخبر قد يكون حقا وباطلا فصار في الجملة دليل على أحق.
واعلم أنك إذا قدمت هذه المصادر بين المبتدأ وخبره جاز كقولك : زيد حقا أخوك ، فإن قلت : حقا : زيد أخوك لم يجز وإنما جاز توسيطها ولم يجز تقديمها ، لأنّا قد بينا أن هذه المصادر توكيد للجمل فلما قدمناها قبل الجمل بدأنا (٤)
__________________
(١) في الأصل : تعرتك.
(٢) هذا الوجه يمثل رأي ابن السرّاج بقولهم : أرسلها العراك.
(٣) في اللسان الجمّة بالضم : مجتمع شعر الرأس وهي أكثر من الوفرة ، ... والجمّة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين ... والجمع جمم وجمام ، اللسان (جمم) ١٤ / ٣٧٤.
وكذا ورد في القاموس (جمم) ١٤٠٨.
(٤) في الأصل : لبدأنا.