وأما الكاف التي للتشبيه فتكون حرفا واسما ، فإذا كانت اسما قدرتها تقدير (مثل) وجاز أن يدخل عليها حرف الجر كقول الشاعر (١) :
وصاليات ككما يؤثفين |
|
... |
فالكاف الأولى حرف الجر ، والثانية اسم.
واعلم أن كل حرف من حروف الجر له معنى.
فأما (من) فتقع في أربعة مواضع (٢) : أحدها : أن تكون لابتداء الغاية كقولك : مررت من الكوفة إلى البصرة ، أي ابتداء سيري كان من الكوفة.
والثاني : أن تكون للتبيين كقوله عزوجل : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(٣) [الحج : ٢٢ / ٣٠] ، لأن سائر الأرجاس يجب أن يجتنب فدخلت من لتبيين المقصود بالاجتناب من الأرجاس.
والثالث : أن تدخل مع النكرات لنفي الجنس كقولك : ما جاءني من رجل ، وفائدة دخولها أنك إذا قلت : ما جاءني رجل ، احتمل أن يكون معناه رجل
__________________
(١) وهو لخطام المجاشعي وجاء في الكتاب ١ / ٣٢ ، ١ / ٤٠٨ ، ٤ / ٢٧٩ ، والمقتضب ٢ / ٩٧ و ٤ / ١٤٠ ، ٤ / ٣٥٠ ، وفي شرح أبيات إصلاح المنطق ٤٤٦ ، وفي شرح أبيات سيبويه للسيرافي ١ / ١٣٨ وورد عنده برواية أخرى : وغير سفع ككما يؤثفين.
والخصائص ٢ / ٣٦٨ ، وأسرار العربية ٢٥٧ ، وشرح شواهد إيضاح الفارسي ، لعبد الله بن برّي ٦١١ ، وجاء في حاشيته نسبة لبعض المصادر أن البيت لهميان بن قحافة ، وشرح المفصل ٨ / ٤٢ ، وشرح الكافية لابن جماعة ٤٦١ والكاف عنده زائدة للتشبيه ، وفي مغني اللبيب ٢٣٩ ، والارتشاف ١ / ١١٨ ، وشرح شواهد المغني للسيوطي ١ / ٥٠٤ شاهدا على يؤثفين ـ وجاء أخيرا في الخزانة ٢ / ٣١٣ وأضاف البغدادي أن الكاف الثانية يمكن أن تكون مؤكدة للأولى ، وخطّأ من عدّ البيت من الرجز ونسبه إلى عدم معرفة العروض ، والبيت عنده من السريع.
(٢) فصّل ابن هشام القول في ذلك ، انظر المغني ٣٥٣ ـ ٣٥٨. (دار الفكر ط ١).
(٣) في الأصل : واجتنبوا. والآية : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ. فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ).