ذكرت لزيد أحوال فتخص أنت بعضها وتقصد بذلك إلى بعض أحواله. فلما كانت (ما) إذا دخلت على (إن) تزيل معناها علمنا أنها ليست باسم لأن شرط الاسم أن تغير معنى عمله عن معناه (١) ، فهذا الوجه يقوي ما ذكرناه عن سيبويه في إبطال عمل (ما) ويضعف قول ابن السرّاج.
فإن قال قائل : قد حصل في هذا الباب أسماء مبنية نحو (متى) و (كيف) و (حيث) وما أشبهها وهي أبنية مختلفة البناء فما الوجه في بنائها واختلافها؟
فالوجه في ذلك أنّا قد بينا أن أصل الأسماء الإعراب وإنما البناء منها فيما أشبه الحرف.
فأما (متى) فالذي أوجب لها البناء أنها نائبة عن حرف الاستفهام في الاستفهام ، وعن حرف الجزاء في الجزاء ، وذلك قول القائل : متى تخرج؟ هو نائب عن قولك : أتخرج يوم الخميس أو يوم السبت؟ ونحو ذلك ، فلما تضمنت حرف الاستفهام والجزاء ، والحروف مبينة وجب أن يبنى ما قام مقامه وناب منابه.
فإن قال قائل : فما (٢) الذي أحوج إلى إقامة (متى) مقام حرف الاستفهام وهلّا استغني بحرف عنها؟
قيل له : في استعمال ذلك حكمة ، عظيمة واختصار ، وذلك أن القائل لو قال : أتخرج يوم السبت؟ لجاز ألا يريد المخاطب الخروج إلا في اليوم الثاني فتقول : لا ، فيلزم السائل تكرير السؤال مرارا كثيرة ، ووجدوا (متى) تشتمل على الأوقات فأقاموها مقامها ليلزموا المسؤول الإجابة بوقت خروجه ، وينحذف هذا التطويل فلهذا أدخلت (متى) في الاستفهام وكذلك حكمها في الجزاء إذا قلت : متى
__________________
(١) الاسم يتأثر بالعوامل ولا يتأثر معناه بها.
(٢) في الأصل : فلما وهي لا تناسب صيغة السؤال.