وطريقته في ترتيب الكلام في داخل الباب الواحد أن يأخذ من الثنائي مثلا عق فيترجم لها ثم يترجم لمقلوبها قعّ قبل أن ينتقل إلى الكلمة التي تلي عق وهي عكّ.
وإذا وصل إلى باب الثلاثي الصحيح كانت المادّة الأولى عنده هي المؤلفة من العين والهاء والقاف ولم يستعمل من وجوه هذه المادة إلّا عهق وهقع فأثبتها وأهمل الأوجه الأخرى. فإذا انتهى من الكلمة وتقليباتها انتقل إلى الكلمة التي تليها وهي المؤلفة من العين والهاء والكاف : عهك ، ولم يستعمل غيرها فأثبتها وأهمل ما سواها من التقليبات.
وهكذا إلى أن تنتهي الكلمات المبدوءة بالعين مع ما يليها من الحروف فيعقد بابا جديدا وهو باب الحاء مع ما يليه ويفعل فيه ما فعل في باب العين إلى أن تنتهي أبواب الكتاب كلها.
وكان قد بدأ بالعين ، لا لأنّها أول الحروف مخرجا ، ولكنها أول الحروف نصاعة وثباتا ، والهمزة عنده هي أول الحروف مخرجا ، لأنها نبرة في الصدر تخرج باجتهاد على حد تعبيره في الكتاب ، ولم يبدأ بها «لأنها حرف مضغوط مهتوت إذا رفّه عنه انقلب ألفا أو واوا أو ياء». ولم يجعل البدء بالألف لأنها ساكنة ابدا ولا بالهاء لهتتها وخفائها فهي كالألف ، ولكنها أقوى منها في التأليف ، لأنها تقبل الحركة ، ويبدأ بها ، ومن أجل ذلك أخرها عن العين ، لأن العين عنده أنصع الحروف (١).
قال ابن كيسان فيما حكى السيوطيّ : «سمعت من يذكر عن الخليل أنّه قال : لم أبدأ بالهمزة : لأنها يلحقها النقص والتغيير والحذف ، ولا بالألف لأنّها لا تكون في ابتداء كلمة لا في اسم ولا فعل إلّا زائدة أو مبدلة ، ولا بالهاء لأنّها مهموسة خفيّة لا صوت لها ، فنزلت الى الحيّز الثّاني وفيه العين والحاء فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف» (٢)
__________________
(١) المقدمة.
(٢) المزهر ١ / ٩٠.