وكذا الحال في الخطاب بتوجيه الكلام وإن لم يكن بأدواته الخاصة. غاية الأمر أن المنصرف من الجميع إرادة الخطاب الحقيقي ، نظير ما ذكره في أدوات وصيغ المعاني الإنشائية من الاستفهام والطلب والتمني وغيرها. ولا مجال لذلك في خطابات الشارع الأقدس ، للمفروغية عن عدم اختصاص مضمونها بمن حضر مجلس الخطاب.
ويشكل : بأن الخطاب يفترق عن غيره من المعاني الإنشائية ، فإن للمعاني الإنشائية واقعا نفسيا حقيقيا مباينا لمقام الإنشاء ، فتتجه دعوى وضع الأدوات والصيغ لمحض الإنشاء والإيقاع ، إما بداعي بيان ذلك الواقع النفسي أو بداع آخر.
أما الخطاب فهو قائم بنفس الكلام ونحوه من أدوات البيان ، كالكتابة والإشارة وغيرها ، وليس له واقع وراء ذلك ، يكون هو المراد بالخطاب الحقيقي لتتجه دعوى وضع الأدوات للخطاب الإيقاعي ، وأنه تارة يكون بداعي الخطاب الحقيقي ، واخرى بداع آخر. بل ليس في المقام إلا أمر واحد ، وهو الخطاب الحقيقي الذي هو مقتضى الكلام.
ولذا قد يدعى تجريد الكلام عن معناه في مورد خطاب من لا يقبل الخطاب ، ويكون مجازا. لكنه بعيد جدا عن المرتكزات الاستعمالية والبيانية ، كما يظهر بأدنى ملاحظة لها.
ومن هنا فالظاهر أنّه اريد بخطاب من لا يقبل الخطاب خطابه حال عدم قابليته ، كخطاب الأموات والرسوم والأطلال وغيرها ، فهو مبني على ادعاء أنه صالح للخطاب بإعمال قوة التخييل.
ولذا قد ينسب إليه ما يناسب الخطاب مما هو من شأن ذي الإحساس والشعور ، كالجواب والعتاب والبكاء والضحك والفرح والحزن وغيرها.
وإن اريد به خطابه بعد قابليته للخطاب وتفهيمه حينئذ ، كخطاب الغائب