الكلام الإثباتيين كون محل كلامهم بعض أقسامه ، وأن تحكيم المقيد مع كونه نافيا ليس موردا للإشكال ، كما صرح به بعضهم.
إذا عرفت هذا ، فالمعروف بينهم حمل المطلق على المقيد. والوجه فيه ما أشار إليه المحقق الخراساني قدّس سرّه من أن ظهور المقيد في الأمر التعييني الإلزامي أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق والاجتزاء بالفرد الفاقد للقيد ، فيتعين تحكيم المقيد ورفع اليد عن الإطلاق. دون العكس وتحكيم المطلق وحمل المقيد على الوجوب التخييري ، بأن يراد به في المقام بيان أحد أفراد الواجب ، أو على الاستحباب التعييني ببيان أفضل الأفراد. لأن حمل الأمر بالشيء على كونه تخييريا لبيان أحد افراد الواجب بعيد عن ظاهره جدا ومحتاج إلى عناية خاصة.
وحمله على بيان أفضل الأفراد وإن لم يكن كذلك ، إلا أنه أبعد من حمل المطلق على المقيد ، ولذا لا إشكال عندهم في تقديم المقيد المنفي مع أنه يمكن أيضا حمله على الكراهة ببيان الفرد المرجوح وإن كان مجزيا تحكيما للمطلق.
نعم ، قد يحتفّ المطلق أو المقيد بخصوصية أو قرينة داخلية أو خارجية تقتضي أقوائية المطلق ، فيلزم تحكيمه وحمل المقيد عليه بأحد الوجهين المتقدمين ، ولا سيما الثاني منهما ، كما لا يبعد ذلك في العموم البدلي الوضعي لقوة دلالته على العموم ، بنحو قد لا يسهل تنزيله على المقيد.
لكن الظاهر خروج ذلك عن محل الكلام ، وأن مورد البحث المطلق المستفاد عمومه من مقدمات الحكمة مع المقيد في نفسيهما ، مع قطع النظر عن الخصوصيات المكتنفة لهما. ولذا قد يجري ذلك في بقية الأقسام ، التي عرفت عدم الإشكال بينهم في تقديم المقيد فيها ، كما لو كان المقيد منفيا أو مثبتا دالا على الحصر ، فيحكم المطلق للقرينة المذكورة ، ويحمل المقيد المنفي على بيان الفرد المرجوح ، والمثبت على أفضل الأفراد.