شبهات تخرج بالإنسان عما يحسه ويدركه بضميره ووجدانه.
نعم ، لا إشكال في أن جهات الحسن والقبح في هذه الامور قد تزاحم بجهات تضادها ، فيكون المعيار في فعلية الداعوية على الأهمية ، على ما هو الحال في جميع موارد تزاحم الداعويتين من سنخ واحد أو داع واحد (١) ، فالكذب الذي تندفع به مفسدة مهمة لا يخرج في الحقيقة عن قبحه ، والصدق الذي يترتب عليه مفسدة مهمة لا يخرج عن حسنه ، بل تسقط داعوية قبح الأول وحسن الثاني ويسبب أهمية داعوية الجهة المزاحمة المترتبة عليهما.
ولعل هذا هو مرادهم بأن الحسن والقبح في مثل هذه الأمور عرضيان غير ذاتيين ، وأنها مقتضية لهما لا علة تامة. وإن كان ظاهرهم انقلابها عما هي عليه من الحسن أو القبح الاقتضائي بطروء الجهة المزاحمة.
لكنه في غير محله ، لأنه لو كان طروء الجهة المزاحمة رافعا للجهة الأولية الاقتضائية لكان الكذب الذي تندفع به المفسدة المهمة في مورد كغيره مما لا قبح فيه إذا اندفعت به تلك المفسدة ، مع أنه ليس كذلك ارتكازا.
ويأتي بعض الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى عند الكلام في حقيقة الحسن والقبح المذكورين.
كما أن جهات الحسن والقبح العقلية قد تزاحم بدواع خارجية عاطفية أو غيرها تمنع من تأثيرها في فعلية الاندفاع عنها ، كما هو الحال في جميع الدواعي.
بل الدواعي المذكورة المزاحمة قد تمنع من الاعتراف بالحسن والقبح ، حيث قد لا يهون على الإنسان الاعتراف بجريمته ، بل يفرض عليه كبرياؤه
__________________
(١) أما لو اختلف سنخ الداعوية ـ كما لو تزاحم الداعي العقلي والداعي الشهوي ـ أو تعدد الداعي ـ كما لو تزاحم مطلوب الأب ومطلوب الأمّ ـ بقي كل من الداعيين على ما هو عليه من فعلية الداعوية ، وإن امتنع تأثيرهما معا ، ولزم اختصاص التأثير في الاندفاع بأحدهما أو سقوطهما معا عن التأثير.