متفرعة عليه تفرع الحكم على الموضوع ، وذلك الأمر هو الحسن أو القبح.
فالحسن والقبح أمران واقعيان لا يتوقفان ثبوتا على إدراك العقلاء ، ولا على مدحهم وذمهم. ولذا يصح عرفا أن يقال : ينبغي للإنسان أن يصدق ولا ينبغي له أن يكذب ، لأن الصدق حسن والكذب قبيح. وعلى هذا يتفرع ما ذكرناه آنفا من أن طروء الجهات المزاحمة للحسن والقبح لا يخرج الحسن عن حسنه والقبيح عن قبحه ، بل يسقطهما عن الداعوية العقلية لو لم يكونا أهم من المزاحم.
أما لو قيل بأن الحسن والقبح عبارة عن نفس الحكم بأن الشيء مما ينبغي فعله أو لا ينبغي ، وأنه يستحق عليه المدح أو الذم ـ الذي هو عبارة عن نفس الداعوية ـ لزم البناء على تأثير المزاحم في نفس الحسن والقبح ورفعه لهما ، بل يخرج عن كونه مزاحما بل يكون عدمه من قيود الموضوع ، كما هو ظاهر.
ولعل ما تقدم من الاشارات مسوق لبيان أن الشهرة هي العمدة في إثبات الحسن والقبح وإدراكهما لا في ثبوتهما ، فلا ينافي ما ذكرناه هنا.
كما قد يناسبه أن المحقق الطوسي ذكر أنه مع طروء الجهات المزاحمة يجوز ارتكاب أقل القبيحين ، وهو يبتني على ما ذكرناه من عدم خروج القبيح المرجوح عن قبحه بالمزاحمة. فلاحظ.
على أنه لو سلم أن مدح العقلاء وذمهم لا يستند إلى إدراكهم حسن الشيء أو قبحه ، بل ليس الحسن والقبح إلا استحقاق المدح والذم وكون الشيء مما ينبغي فعله أو تركه ، إلا أن الظاهر أن كون الشيء مما ينبغي فعله أو تركه مستند للداعوية العقلية التي يستقل كل أحد بها بنفسه ، لا بسبب تطابق آراء العقلاء ، بحيث لو فرض عدم وجود غير عاقل واحد لحكم عقله بذلك ، وليس تطابق آراء العقلاء إلا لاشتراكهم في العقل الداعي لذلك.