بأجمعهم بسفينة كبيرة ، وأخر يستطيع إنقاذهم نصفهم بسفينة متوسطة ، وثالث يستطيع إنقاذ ربعهم بسفينة صغيرة ، ورابع يستطيع إنقاذ جماعة قليلة بقارب صغير ، وخامس يستطيع إنقاذ شخصين منهم بخشبة ، وسادس يستطيع إنقاذ واحد منهم سباحة مثلا ، فهل يمكن البناء على كون عقاب الكل واحدا لو تكاسلوا وتركوهم حتى غرقوا ، لأنهم تركوا إنقاذ كل منهم مع تكليفهم بإنقاذه مطلقا أو بشرط ترك إنقاذ غيره المفروض التحقق؟!.
وهكذا ما يشبه المثالين المذكورين من الأمثلة الكثيرة التي يزيد النظر فيها والتأمل في حالها استيضاح ما ذكرنا من عدم تعدد العقاب في فرض العجز عن الجمع بين الامتثالين وإن تعددت المعصية لفعلية كل من التكليفين.
ومن هنا يتعين البناء على أن العقاب إنما يكون بقدر طاعة المكلف ، فإذا كان التكليفان المتزاحمان متساويين كان العقاب المستحق بقدر العقاب على واحد منهما ، نظير الأمر التخييري الذي لا يستحق مع ترك امتثاله بترك تمام الأطراف إلا عقاب واحد ، وإن افترقا بتعدد التكليف الفعلي والملاك في المقام ووحدتهما في الأمر التخييري على ما سبق في محله. غايته أن وحدة العقاب هناك لوحدة الغرض ، وهنا لعجز المكلف وقصوره عن استيفاء الغرضين.
وإن كانا مختلفين في الأهمية فحيث كان المرجوح مشاركا للراجح في مرتبة من الأهمية ويمتاز الراجح بمرتبة اخرى ، فبلحاظ ما به الاشتراك يلحقهما حكم المتساويين ، فلا يوجب تركهما إلا عقابا واحدا مناسبا لتلك المرتبة ، بلحاظ العجز عن استيفائهما معا ، نظير التكليف التخييري ، على ما تقدم ، وبلحاظ ما به الامتياز يكون الراجح كالواجب التعييني المستقل يستحق لأجله العقاب ، للقدرة على استيفائه بفعله.
ومرجع ذلك إلى أن ترك امتثال المرجوح لا يزيد في العقاب الحاصل بترك امتثال الراجح غاية الأمر أن امتثال المرجوح يوجب تخفيف العقاب