لكن هذا وحده لا ينفع في ما نحن فيه ، لعدم اقتضاء الوجوب أو الحرمة والاستحباب والكراهة البعث والزجر الحقيقيين ، بل يقتضيان الاعتباريين أو الإنشائيين ، وحينئذ لا بد من النظر في وجه التضاد بينهما مع ما هو المعلوم من أن الاعتبار والإنشاء خفيف المئونة.
وقد يستدل لذلك بوجوه ..
أولها : ما يظهر من الفصول وقد يستفاد من التقريرات من أن منشأ تضادها وتنافيها هو تضاد منشأ انتزاعها ، وهو المحبوبية والمبغوضية والإرادة والكراهة.
ويندفع بما تقدم في مقدمة علم الاصول عند الكلام في حقيقة الأحكام التكليفية من عدم انتزاعها من المحبوبية والمبغوضية والإرادة والكراهة ، وأن الإرادة والكراهة التشريعتين اللتين اشتهر انتزاع الأحكام التكليفية منها مباينتان للارادة والكراهة والمحبوبية والمبغوضية سنخا. وتضاد الإرادة والكراهة التشريعيتين محل الكلام ومحتاج لبيان آخر غير ما تقدم.
ثانيها : ما ذكره سيدنا الأعظم قدّس سرّه من أن منشأ التضاد بين الأحكام هو تضاد ملاكاتها ، فملاك وجوب الشيء كونه ذا مصلحة بلا مزاحم وملاك حرمته كونه ذا مفسدة بلا مزاحم.
قال قدّس سرّه : «فلو فرض محالا كون الشيء الواحد ذا مصلحة بلا مزاحم وذا مفسدة كذلك لا بد أن تتعلق به الإرادة والكراهة معا ، والأمر والنهي كذلك ... ومنه يظهر حال بقية الأحكام التكليفية ، فإن التنافي بين الجميع لذلك ، فنسبة التنافي إليها إنما هي بالعرض ، أما ما هو مورد التنافي أولا وبالذات فهو الملاكات لا غير. ولذلك يظهر الفرق بين اجتماع الوجوب والحرمة في موضوع واحد وبين التكليف بالمحال ، فإن الثاني لا قصور في ملاكه ، فلو ثبت كان بملاك ، وإنما القصور في القدرة عليه لا غير ، والأول يمتنع ، لعدم الملاك حتى لو فرض محالا