عن غلبة وجودها.
الثاني : بناء العقلاء على أصالة كون المتكلم في مقام البيان بالنحو المذكور ، لما ذكره بعض المحققين قدّس سرّه من أن العقلاء كما يحكمون بمطابقة مراد المولى الجدي لاستعماله ، وعدم إرادته خلافه ، كذلك يحكمون بأنه إذا كان له مراد جدي يكون بصدد بيانه ، وكونه بصدد إظهار أمر آخر يحتاج إلى التنبيه ، وحيث كان المراد له غير مهمل بل إما مطلق أو مقيد ، فمع فرض عدم التقييد يتعين كونه هو المطلق ، ولا يبنى على الإهمال.
وفيه : أن مخالفة المراد الجدي للاستعمال لما كانت على خلاف مقتضى الطبع حسب ما أودعه الله سبحانه من غريزة البيان وجعله يدركه من وظيفة الكلام ، توجه دعوى بناء العقلاء على أصالة عدمها.
أما القضية المهملة فليست مخالفة للمراد الجدي ، سواء كان هو الإطلاق أم التقييد ، بل مفادها جزؤه الأعم المشترك بين الأمرين ، فالحمل عليها ـ بعد كونها المفاد الوضعي للكلام ـ لا يخالف مقتضى طبع الاستعمال. غاية ما يلزم منه كون المبين بعض المراد ، وليس هو مخالفا للأصل ، إذ كما كان للمتكلم أن لا يبين شيئا من مراده له أن يقتصر على بيان بعضه ، ولم يتضح بناء العقلاء على أنه لو تصدى لبيان مراده في الجملة لزمه استيعابه بالبيان.
ولذا لو سيق غير الإطلاق لبيان دخل شيء في الحكم واحتمل دخل غيره معه فلا يظن من أحد البناء على عدم دخل غيره للأصل المدعى ، فلو قيل : يتوقف وجوب الحج على ملك الزاد والراحلة ، لا يستفاد منه عدم توقفه على غيره ، ولو قيل : لا صلاة إلا بطهور ، لم يستفد عدم دخل غير الطهارة في الصلاة وخصوصية الإطلاق في الأصل المذكور عين المدعى.
الثالث : بناء العقلاء على أن الأصل في الكلام أن يترتب عليه العمل ، لأن الغرض من الكلام هو بيان المقاصد مقدمة لاستيفائها بالعمل ، ومن الظاهر أن