بالمدرسة الشريفة المستنصرية لما فتحت في رجب سنة إحدى وثلاثين وستمائة ، وكان إماما في الفقه والأصول والخلاف وعلم الكلام وأقاويل الفلاسفة وعلم العربية ، ويكتب خطا مليحا ، وله نظم ونثر بليغ ، وقدمه في الزهد والرياضات والمجاهدات والحقيقة والطريقة ثابتة متمكنة ، وكان كثير العبادة دائم الخلوة مجردا من أسباب الدنيا مع ما خصه الله به من حسن الخلق والتواضع وشرف النفس ولطف الطبع ، وسمع بقراءتي معظم صحيح البخاري على ابن القطيعي ، ولم يتفق لي أن أكتب عنه شيئا من نظمه ، ولم يكن له رواية في الحديث.
أنشدنى بن محمد (١) الفرغاني ببغداد لنفسه :
يا من أضاء له شموس مناقبه |
|
ينهون من آدابه وفضائله |
لا تكسفن ضياءها بمعاتب |
|
من زور قول تفتريه وباطله |
والصدق أحلى حلية يحلى بها |
|
كم بين خالي الجيد فيه وعاطله |
واعلم بأن القول عند أولى |
|
بيان قيمته وقيمة قائله |
النهى والنصح فرض قوله وقبوله |
|
طوبى لقائله المحق وقابله |
توفى الفرغاني ليلة الأحد لعشر خلون من رجب من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. وحضرت الصلاة عليه من الغد بجامع القصر ، وحضر الأعيان وخلق كثير ، ودفن بمقبرة الخيزران ، وأظنه قارب السبعين من عمره ـ رحمة الله عليه.
عم الشيخ أبى النجيب السهروردي ، قدم بغداد واستوطنها ، وتفقه على أبى القاسم الدبوسي وعلى أبى حامد الغزالي. وسمع الحديث من الشريف أبى الفوارس طراد بن محمد بن على الزينبي وأبى الحسين عاصم بن الحسن العاصمي وأبى محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي وأبى بكر أحمد بن على الطريثيثي وغيرهم روى لنا عنه حافده محمد بن أعز بن عمر ، وكان شيخا برباط سعادة على شاطئ دجلة ، صنف تاريخا على السنين سماه «المجاهدى» خدم به مجاهد الدين [...] (٣) ببغداد ، ذكر فيه ابتداء الدنيا إلى سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
__________________
(١) في الأصل : «على بن محمد».
(٢) انظر ترجمته في : المنتظم لابن الجوزي ١٠ / ٧٥.
(٣) بياض في الأصل مكان النقط.