فاجتمع أصحاب الحديث فسمع محمد بن عبد الله بن طاهر الضوضاء من كلام أصحاب الحديث ، فقال لحاجبه : ما هذا؟ فقال : ابن الطباع قد قدم من سرّ من رأى وهذا كلام أصحاب الحديث ، فقال : وقد قدم؟ قال : نعم ، فكتب إليه برقعة يسأله أن يصير إليه ليحدث فتيانه ، فكتب جواب رقعته :
«بسم الله الرحمن الرحيم ، أكرمك الله كرامة تكون لك في الدنيا عزّا وفي الآخرة من النار حرزا ، قرأت رقعتك ولم أتخلف عنك صيانة ، وإنما تخلفت عنك ديانة ، والعلم يؤتى ولا يأتى».
فقال : صدق. فصار إليه محمد بن عبد الله وبنوه ، وكان نازلا في غرفة فصعد إليه فحدثه عامة الليل ، وقال محمد بن عبد الله ـ يعنى لحاجبه (١) : سله ما يريد؟ فكلمه الحاجب بالفارسية ـ وكان ابن الطباع يحسن بالفارسية ـ فقال له : قل له يبعث لنا شيئا نتغطى به في البرد. فبعث إليه بمطرف [خز] (٢) يساوى خمسمائة دينار ، فاحتاج ابن الطباع إلى بيعه فباعه بخمسة وخمسين دينارا ، وقال : لو صبرت عليه حتى يجيء طالبه لأخذت لك خمسمائة دينار. قلت : ابن الطباع هذا هو محمد بن يوسف بن عيسى بن الطباع وكان من الثقات ، وهو ابن أخى إسحاق بن عيسى الطباع.
أنبأنا عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي قال سمعت أبا الحسين محمد بن محمد الحسين بن الفراء يقول : نقلت من خط على ابن أخى نصر قال : وجدت على ظهر كتاب «محاسبة النفس والجوارح» تصنيف أبى حفص العكبري بخط ابنه الحسين بن عمر يقول : مات والدي أبو حفص عمر بن المسلم يوم الخميس ضحوة لثمان خلون من جمادى الآخر سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
من أهل واسط ، وبيته بيت وعظ وتصوف ، قدم بغداد غير مرة وأقام بها ، وسمع الحديث من أبى الثناء محمد بن الزيتوني وأبى الخير أحمد بن إسماعيل القزويني والكاتبة شهدة بنت أحمد الإبرى ، وسمع بواسط عبد الرحمن بن الدجاجي المقرئ وأبا طالب محمد بن على بن الكتاني وأبا العباس بن مخلد الأزدى وغيرهم ، وعقد مجلس الوعظ الغربي عند تربة الجهة أم الخليفة وحضرة خلق عظيم ، ثم رتب شيخا للصوفية برباط
__________________
(١) في الأصل : «لحاجته».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وزيد من تاريخ بغداد.