الأمير أحسن أمراء عصره ، ولم تزل الإمارة في أسلافه منذ أعصار متطاولة وأسلافه المشهورون بآل أبي نمي ، وهم بطن من بني حسن ، وإخوانهم بني حسين لهم إمارة المدينة وولاية الحجاز الآن بأطرافه من أطراف اليمن إلى أقصى نجد مما يلي البصرة ، ثم خيبر (١) مما يلي الشام ثم إلى ينبع وما والاها كلها تحت إمارة الشريف زيد وأسلافه ، وليس لبني حسين في المدينة في هذا الزمان إلا الاسم فقط وبعض تصرفات بنظر الأمير زيد ، وكان الأمر فيما مضى على معتقد أهل بيته وهو اعتقاد الزيدية (٢) ، ثم إنه باينهم ورجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة ، وتمذهب بمذهب أبي حنيفة ، وحسن اعتقاده في علماء أهل السنة ، وبالغ في تفضيلهم ، وكف أهل بيته عن كثير مما كانوا ينالون من أهل السنة في إظهار اعتقادهم ، وقد اجتمعوا ذات يوم ولاموه على رجوعه عن مذهبهم فقال لهم : ألم يكفيكم مني أني أخيركم ولا أقهركم عن الرجوع عمّا أنتم عليه ، إنما هو دين لا يسع المرء إلا الاعتقاد ما هو الحق واتباع ما يغلب على ظنه أنه الحق والهدى ، وقد ظهر لي صحة ما رجعت إليه ، فإن رأيتم وتبين لكم ما تبين لي فينبغي لكم إما أن ترجعوا إلى الحق والهدى ، وإن لم تروه فلكم دينكم ولي دين ، فمن ذلك اليوم أيسوا منه. انتهى.
__________________
(١) خيبر : ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام ، يطلق هذا الاسم على الولاية ، وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون ، ومزارع ، ونخل كثير ، وقد فتحها النبي صلىاللهعليهوسلم كلها في سنة سبع للهجرة ، وقيل : سنة ثمان (معجم البلدان ٢ / ٤٠٩).
(٢) الزيدية : فرقة شيعية تنسب إلى زيد بن علي بن الحسين. توفي سنة ١٢١ ه في خلافة هشام بن عبد الملك ، وتقابل الإمامية ، وهما أكبر فرق الشيعة ، ولا تزالان باقيتين إلى اليوم (انظر : الموسوعة العربية الميسرة ص : ٩٣٨).