به ، وفي ذلك إشعار لهم في أن البيان كاف وعليهم أن ينفذوا (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها؟ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ : إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه يقال في التوكيد أصفر فاقع. والسرور : لذة في القلب تكون عند حصول نفع أو توقعه وههنا وصفت البقرة بأنها تسر الناظرين لحسنها ، فرؤية الحسن من لذات القلب (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) هذا تكرار للسؤال عن حالها وصفتها واستكشاف زائد ليزدادوا بيانا لوصفها (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) أي : أن البقر العوان والأصفر كثير فاشتبه علينا ، هذا تعليل لطلبهم مزيد بيان (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) أي إلى البقرة المراد ذبحها أو إلى ما خفي علينا من أمر القاتل أخرج ابن أبي حاتم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لو لا أن بني إسرائيل قالوا : وإنا إن شاء الله لمهتدون لما أعطوا ولكن استثنوا» ، (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها) لا ذلول أي لم تذلل للكراب وإثارة الأرض (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي ليست من النواضح التي يسنى عليها لسقي الحروث (مُسَلَّمَةٌ) أي عن العيوب وآثار العمل (لا شِيَةَ فِيها) أي لا لمعة في نقبتها من لون آخر سوى الصفرة فهي صفراء كلها (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) أي بالحق البين ، أي بحقيقة وصف البقرة بحيث لم يبق إشكال في أمرها (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) أي حصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها فذبحوها وما كادوا يفعلون ذلك ، إما لغلاء ثمنها أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل والآن تأتي بداية القصة.
قال المفسرون أول القصة مؤخر في التلاوة وهو قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً ..) وذلك لأن السياق يقص قصة بني إسرائيل ههنا تعديدا لوجود الجنايات منهم وتقريعا لهم عليها ، وهاتان القصتان وإن كانتا متصلتين فتستقل كل واحدة منهما بنوع من التقريع ، فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك ، والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة وما تبعه من الآية العظيمة ، وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ولذهب المراد في تثنية التقريع.
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) خوطبت الجماعة لوجود القتيل فيهم وهذا يشعر بمسؤولية الجماعة كلها عما يقع فيها. (فَادَّارَأْتُمْ فِيها.) أي : فاختلفتم واختصمتم في شأنها لأن المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا أي يدفع ، أو المعنى فتدافعتم بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض فيدفع المطروح عليه الطارح ، أو لأن الطرح في نفسه دفع. (وَاللهُ