وتقتلونهم ، وتخرجونهم ، وتظاهرون عليهم ، مع أن التوراة تحرم هذا ، جعلت الآية التطبيق إيمانا وعدم التطبيق كفرا. قال السدي : فإذا أسر رجل من الفريقين كلاهما ، جمعوا له حتى يفدونه فتعيرهم العرب بذلك ، ويقولون كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم ، وحرم علينا قتالهم. قالوا فلم تقاتلوهم؟ قالوا إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا فذلك حين يخبرهم الله تعالى :
(فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ) أي فما جزاء من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض (إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي إلا ذلة وهوان بسبب مخالفتهم شرع الله وأمره (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) أشد العذاب هو الذي لا روح فيه ولا فرح جزاء على مخالفتهم كتاب الله الذي بأيديهم (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) من الأعمال القبيحة والسيئة ، ولكن له سننا (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة واختاروها عليها اختيار المشتري. دلت الآية على أن سبب الخلل في التطبيق هو محبة الدنيا وتفضيلها على الآخرة (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم فليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم منه.
وبمناسبة قوله تعالى (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) نحب أن نلفت النظر ههنا إلى أن اليهود ، أو النصارى ، أو أبناء الأديان ، يرون أنهم بسبب من كونهم يهودا ، أو نصارى ، أو غير ذلك ، فإنهم سينصرون يوم القيامة ، وأن من ينتسبون إليهم سينصرونهم ، وقد قطع الله عزوجل في هذه الآية طمع اليهود من ذلك بسبب من أعمالهم. وكثيرون من أبناء المسلمين غلب عليهم هذا التفكير أنهم سينجون عند الله مهما اقترفوا ، وكثيرون من صوفية المسلمين غلب عليهم هذا التفكير حتى أصبحت تجد صوفيا لا يصلي ، ولا يزكي ، ولا يهتدي بكتاب الله ، ويوالي الكافرين ، ويؤمن بشعاراتهم المعطلة للكتاب ، ويتصور مع هذا أن نسبته إلى فلان من الناس ، أو إلى الطريقة الفلانية ، تنجيه عند الله.
وبمناسبة قوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) نقول :
لقد أخذ الله على هذه الأمة ما أخذ على بني إسرائيل في وجوب إقامة أحكام القرآن ، فطبقت في عصورها المتأخرة بعضا وتركت بعضا ؛ فابتلاها الله بما ابتلاها به ، من الذلة ، والهوان ولعذاب الآخرة أشد.
وها نحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري نعاني من الذلة والهوان ، بأن سلط الله