حق صاحب الشرع. والإنساء : أن يذهب بحفظها من القلوب (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) أي نأت بخير من الذي نسخناه أو مثل الذي تركناه ، أي في الحكم بالنسبة لمصلحة المكلفين إما أنفع وإما أرفق وإما أكثر ثوابا. قال قتادة : فيها تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي ، (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي قادر فهو يقدر على الخير وعلى مثله وعلى أفضل منه (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو يملك أموركم ويدبرها ، وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ أو منسوخ (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يلي أموركم (وَلا نَصِيرٍ) أي ناصر ينصركم من العذاب. قال ابن كثير : «يرشد عباده تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء ، فله الخلق والأمر وهو المتصرف ، فكما خلقهم كما يشاء ؛ يسعد من يشاء ، ويشقي من يشاء ، ويصح من يشاء ، ويمرض من يشاء ، ويوفق من يشاء ، ويخذل من يشاء ، كذلك يحكم في عباده بما يشاء فيحل ما يشاء ، ويحرم ما يشاء ، ويبيح ما يشاء ، ويحظر ما يشاء ، وهو الذي يحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ويختبر عباده وطاعتهم لرسله بالنسخ ؛ فيأمر بالشىء لما فيه من المصلحة التي يعلمها ثم ينهى عنه لما يعلمه تعالى. فالطاعة كل الطاعة في امتثال أمره واتباع رسله ، في تصديق ما أخبروا ، وامتثال ما أمروا ، وترك ما عنه زجروا. وفي هذا المقام رد عظيم وبيان بليغ لكفر اليهود ، وتزييف شبهتهم ـ لعنهم الله ـ في دعوى استحالة النسخ إما عقلا كما زعمه بعضهم جهلا وكفرا ، وإما نقلا كما تخرصه آخرون منهم افتراء وإفكا. قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمهالله : فتأويل الآية ألم تعلم يا محمد أن لي ملك السموات والأرض وسلطانهما دون غيرى ؛ أحكم فيهما وفيما فيهما بما أشاء ، وآمر فيهما وفيما فيهما بما أشاء ، وأنهى عما أشاء ، وأنسخ وأبدل وأغير من أحكامي التي أحكم بها في عبادي بما أشاء إذ أشاء ، وأقر فيهما ما أشاء ثم قال : وهذا الخبر وإن كان خطابا من الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم على وجه الخبر عن عظمته. فإنه منه جل ثناؤه تكذيب لليهود الذين أنكروا نسخ أحكام التوراة ، وجحدوا نبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام لمجيئهما بما جاءا به من عند الله بتغيير ما غير الله من حكم التوراة. فأخبرهم الله أن له ملك السموات والأرض وسلطانهما ، وأن الخلق أهل مملكته وطاعته ؛ وعليهم السمع والطاعة لأمره ونهيه ، وأن له أمرهم بما يشاء ، ونهيهم عما يشاء ، ونسخ ما يشاء ، وإقرار ما يشاء ، وإنشاء ما يشاء من إقراره ونهيه ، قلت (القائل ابن كثير) الذي يحمل اليهود على البحث في مسألة النسخ إنما هو الكفر والعناد. فإنه ليس في العقل ما يدل على امتناع النسخ في أحكام الله تعالى ؛ لأنه يحكم ما يشاء كما أنه يفعل ما