على أهل الكتاب. وفي هذا السياق تأتي هذه الآية (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا ..) ناهية المسلمين عن السؤال المتعنت ، مبينة لهم أن بداية السير في الضلال هو السؤال المتعنت ، فالآية تأتي بعد أن بين الله عزوجل لهذه الأمة فضله عليها ؛ لتدلهم على ما لا ينبغي فعله ، قياما بشكر الله ، ولتبين لهم أن مما تسلب به هذه النعمة العظيمة عنهم هو السؤال المتعنت كسؤال قوم موسى لموسى. إذا تقرر هذا فلنلاحظ :
بدأت هذه الفقرة بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا) ثم بعد آيات جاء قوله تعالى (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) إن السياق كأنه يقول لنا :
إنكم إن واتيتم اليهود بمثل (راعنا) فستصلون في النهاية إلى أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى ؛ لأنهم لا يريدون بكم خيرا ، ويثيرون الشبهات والشكوك ضد إسلامكم ودينكم من مثل شبهة النسخ وغيرها.
ولو أننا تتبعنا واقع أبناء المسلمين الذين لا يكتفون بالسؤال كما سئل موسى من قبل بل يقولون ما هو أفظع ، لو أنك تتبعت : ما الذي أوصل المسلمين إلى مثل هذا لوجدته تلك البدايات من المواتاة لأعداء الله في أشياء ظاهرها صغير ، ومن ثم تأتي الآية اللاحقة لتبين كيف أن أهل الكتاب يودون لو أنهم أرجعونا كفارا ، فأمام هذه الرغبة فإنه لا ينبغي أن نواتيهم في بدايات توصلنا إلى نهايات خطيرة نضل بها عن سواء السبيل.
هذا ما نراه في محل هذه الآية ضمن السياق إذا اعتبرنا أن (أم) منقطعة. قال الألوسي : والمراد على التقديرين (اتصال «أم» أو انفصالها) توصيته المسلمين بالثقة برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وترك الاقتراح بعد رد طعن المشركين أو اليهود في النسخ ، فكأنه قيل لا تكونوا فيما أنزل إليكم من القرآن مثل اليهود في ترك الثقة بالآيات البينة واقتراح غيرها ؛ فتضلوا وتكفروا بعد الإيمان ، وفي هذه التوصية كمال المبالغة والبلاغة حتى كأنهم بصدد الإرادة فنهوا عنها فضلا عن السؤال. يعني من شأن العاقل أن لا يتصدى لإرادة ذلك ولم يقل سبحانه كما سأل أمة موسى أو اليهود للإشارة إلى أن من سأل ذلك يستحق أن يصان اللسان عن ذكره ـ وإذا اعتبرنا أن (أم) متصلة على الوجه الذي ذكرناه من أنها متصلة بالهمزة في قوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ) فإن السياق يكون على الشكل التالي :