الأشياء والأجسام ، وإن كان السحر الذى ذكر القرآن وقوعه من سحرة فرعون كان مجرد تخييل لا حقيقة له (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (سورة طه) ـ ولا مانع أن يكون مثل هذا التأثير وسيلة للتفريق بين المرء وزوجه وبين الصديق وصديقه ، فالانفعالات تنشأ من التأثرات ، وإن كانت الوسائل والآثار والأسباب والمسببات لا تقع كلها إلا بإذن الله على النحو الذي أسلفنا .. أقول ما اتجه إليه صاحب الظلال من كون السحر يمكن أن يكون من صور الإيحاء والتمويه هو ما ذهب إليه أبو إسحاق الإسفراييني وهو من أكبر أئمة أهل السنة والجماعة ، والجمهور على أن هذا نوع من السحر ولكنه ليس كل السحر والمسلم في كل القضايا التي أخبره عنها الوحي موقفه التصديق والتسليم ، والسحر من جملة ذلك فخطاب (سيد قطب) للعقل الإنساني في أن عليه أن يكون موقفه مرنا في الإثبات والنفي إنما هو في حالة سكت عنها النص وأخذت محلها في كلام البشر.
قال الشافعي : «إذا تعلم السحر قلنا له صف لنا سحرك ، فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة ، وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر ، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر».
واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يكفر بذلك ، ومن أصحاب أبي حنيفة من قال : «إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر ـ وهذا إذا لم يرافق تعلمه كفر أو يلزم عليه كفر ـ ومن تعلمه معتقدا جوازه أو أنه ينفعه كفر» وعلى القول بأنه يكفر بمجرد تعلمه فإنه يقتل بذلك وقد رأينا كلام الشافعي في هذا الأمر.
قال ابن هبيرة : وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد : نعم. وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا. فأما إن قتل بسحره إنسانا فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة : لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين ، وإذا قتل فإنه يقتل حدا عندهم إلا الشافعي فإنه قال : يقتل ـ والحالة هذه ـ قصاصا قال : وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد : في المشهور عنهم لا تقبل ، وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل. وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم ، وقال مالك وأحمد والشافعي : لا يقتل ... واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة : لا تقتل ولكن تحبس وقال الثلاثة : حكمها حكم الرجل ...