استشهدوا بما ظنوه أحاديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومنها رواية رواها الإمام أحمد ، وقد نقلها ابن كثير ثم قال : «فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل» وإذن فليس هناك حديث صحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في هذا الموضوع واستشهد أصحاب هذا المذهب بآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين وقد سردها كلها ابن كثير ثم علق عليها بقوله : «وحاصلها راجع ... إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال».
قال صاحب الظلال في حديثه عن هاروت وماروت : فإن قصتهما كانت متعارفة بين اليهود ، بدليل أنهم لم يكذبوا هذه الإشارة ولم يعترضوا عليها ، وقد وردت في القرآن الكريم إشارات مجملة لبعض الأحداث التي كانت معروفة عند المخاطبين لها ، وكان في ذلك الإجمال كفاية لأداء الغرض ، ولم يكن هناك ما يدعو إلى تفصيل أكثر ، لأن هذا التفصيل ليس هو المقصود. وقد أغرب القصاصون في هذا الموضوع كثيرا كما يرى فيما نقله ابن كثير ومن أغرب ما ذكروه : أن كوكب الزهرة إنما هو المرأة التي زنيا بها وهذا كلام غريب جدا». قال الألوسي : «والزهرة كانت يوم خلق الله تعالى السموات والأرض والقول بأنها تمثلت لهما فكان ما كان وردت إلى مكانها غير معقول ولا مقبول» وسبب هذا الغلط هو العقلية الخرافية الإسرائيلية ، فقد وردت في الإسرائيليات كلمة الزهرة إما على هذه الشاكلة أو أن القصاص أحبوا الإغراب فذكروا ما ذكروا ، وقد يدل لذلك أن القصة في رواية ابن عباس ـ فيما يبدو عن أهل الكتاب ـ «وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب» قال الألوسي عن هذه القصة :
«هذا ومن قال بصحة هذه القصة في نفس الأمر وحملها على ظاهرها فقد ركب شططا ، وقال غلطا ، وفتح بابا من السحر يضحك الموتى ويبكي الأحياء ، وينكس راية الإسلام ، ويرفع رؤوس الكفرة الطغام ، كما لا يخفى ذلك على المنصفين من العلماء المحققين». وتعليقا على قصة امرأة من دومة الجندل ادعت أنها اجتمعت بهاروت وماروت ، وحدث لها ما حدث ثم جاءت تستفتي الصحابة في أمر توبتها يقول الألوسي : «فهو ونظائره مما ذكره المفسرون من القصص في هذا الباب مما لا يعول عليه ذوو الألباب ، والإقدام على تكذيب مثل هذه المرأة الدوجندلية أولى من اتهام العقل في قبول هذه الحكاية التي لم يصح فيها شىء عن رسول رب البرية صلىاللهعليهوسلم وياليت كتب الإسلام لم تشتمل على هذه الخرافات التي لا