هذه التغطية لهذا الموضوع كما أنها تلبي مطلبا من مطالب عصرنا ، فإنها تروي ظمأ طلاب المعرفة والباحثين عن دقائق أسرار هذا القرآن ، كما أنها تضع لبنة في صرح الحديث عن إعجاز القرآن ومعجزاته ، كما أنها تجيب على تساؤلات كثيرة من جملتها موضوع فواتح السور ، سواء منها المصدرة بالأحرف الهجائية أو المصدرة بما سوى ذلك ، ومن خلالها يزداد ترجيح بعض الجوانب التي وقع فيها خلاف كقضية : إن ترتيب سور القرآن توقيفي وليس اجتهاديا. فمع أن جماهير الأمة ذهبت إلى هذا ، فإن هذا التفسير سيبرهن على هذا الموضوع بشكل عملي ، كما أنه بإبرازنا الوحدة القرآنية ، بإبراز الصلة بين سور القرآن والصلة بين الآيات في السورة الواحدة ، سنأخذ الجواب على السؤال : لماذا لم تكن المعاني ذات المضمون الواحد موجودة بجانب بعضها؟ وسنجد لذلك حكما كثيرة ، وسيرى القارىء لهذا التفسير أن هذا الترتيب ما بين سور القرآن على هذه الشاكلة التي رتبها الله عزوجل في كتابه ، شىء به وحده تقوم الحجة على كل من يتصور أن هذا القرآن يمكن أن يكون بشري المصدر. وذلك من جانب ترتيبه فقط ، فكيف بما سوى ذلك من عشرات الظواهر التي فى كل واحدة منها الدليل من خلال عشرات الأمثلة ، على أن هذا القرآن يستحيل أن يكون بشري المصدر. ثم إنه بعملنا هذا نكون قد زدنا بعض حجج الكاتبين عن القرآن وضوحا. فمثلا ذكر صاحب (مناهل العرفان) في باب حكم نزول القرآن منجما هذه الحكمة التي هي الحكمة الرابعة في عرضه فقال :
«الإرشاد إلى مصدر القرآن وأنه كلام الله وحده وأنه لا يمكن أن يكون كلام محمد صلىاللهعليهوسلم ولا كلام مخلوق سواه».
وبيان ذلك أن القرآن الكريم تقرؤه من أوله إلى آخره فإذا هو محكم السرد ، دقيق السبك ، متين الأسلوب قوي الاتصال آخذ بعضه برقاب بعض في سوره وآياته وجمله ، يجري دم الإعجاز فيه كله من ألفه إلى يائه كأنه سبيكة واحدة ، وعقد فريد يأخذ بالأبصار ، نظمت حروفه وكلماته ونسقت جمله وآياته وجاء آخره مساوقا لأوله وبدا أوله مواتيا لآخره. وهنا نتساءل : كيف اتسق للقرآن هذا التأليف المعجز؟ وكيف استقام هذا التناسق المدهش على حين أنه لم يتنزل جملة واحدة ، بل تنزل آحادا مفرقة تفرق الوقائع والحوادث في أكثر من عشرين عاما؟
الجواب : أننا نلمح هنا سرا جديدا من أسرار الإعجاز .. ونقرأ دليلا ساطعا على مصدر القرآن وأنه كلام الواحد الديان (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ