قليلا ، إذ الجميع متفقون على وجوب التوجه إلى الكعبة في الأحوال العادية ، والجميع متفقون على وجوب التحري حيث جهلت الجهة في ليل أو نهار ، وإذا صلوا أجزأتهم ، واختلفوا هل على من تبين له بعد أن صلى أنه صلى لغير القبلة هل عليه الإعادة؟ قولان والحنفية على عدم الإعادة ، والجميع متفقون على أنه إذا اشتد الخوف صلوا إلى أي جهة قدروا ، في صحيح البخاري من حديث نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال : فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا (قياما على أقدامهم) وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال نافع ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، والجميع متفقون على أن المتطوع في الصلاة على دابته في السفر يجوز له أن يصلي إلى أي جهة قدر ، ولم يفرق الشافعي في المشهور عنه بين سفر المسافة والسفر القريب ، وذهب أبو يوسف إلى جواز التطوع على الراحلة ولو في المصر واختاره أبو جعفر الطبري حتى للماشي.
ثانيا ـ وفي باب العقائد يثور نقاش في المراد بقوله تعالى (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) فللعلماء في النص اتجاهان : الاتجاه الأول هو عدم التأويل مع التنزيه فلله وجه ليس كمثله شىء ، وعلى هذا فإن معنى الآية : لي المشارق والمغارب فأين وليتم وجوهكم فهناك وجهي وهو قبلتكم (إِنَّ اللهَ واسِعٌ) يسع خلقه كلهم بالكفاية والجود والإفضال (عَلِيمٌ) بأعمالهم ما يغيب عنه منها شىء ، ولا يعزب عن علمه صغير أو كبير.
والاتجاه الثاني هو التأويل ، وهذه نماذج من أقوال السلف في الآية : قال عكرمة عن ابن عباس (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) قال : قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا. وقال مجاهد : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة» وقال ابن جرير : «.. وقال آخرون ... لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية لأن له تعالى المشارق والمغارب وأنه لا يخلو منه مكان».
قال ابن كثير تعليقا على آخر الكلام : وفي قوله «وأنه تعالى لا يخلو منه مكان ، إن أراد علمه فصحيح ، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شىء من خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا».
وقد ذكر ابن جرير وجها آخر للآية فقال : «ويحتمل : فأينما تولوا وجوهكم في