حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع ـ أو ذراع ـ فيسبق عليه الكتاب ؛ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع ـ أو ذراع ـ فيسبق عليه الكتاب ؛ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث : «ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس» ، وقد قال الله تعالى (في سورة الليل) (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) ا ه. كلام ابن كثير.
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
(أَمْ) على الراجح في الآية أنها منقطعة بمعنى بل ، والهمزة للإنكار ، ومعنى (بل) الانتقال عن الكلام الأول وهو التوصية ـ إلى توبيخ اليهود على ادعائهم أن يعقوب وأبناءه دينهم اليهودية ، وفائدته الانتقال من جملة إلى أخرى : أي ما (كُنْتُمْ شُهَداءَ) أي حاضرين (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) حين احتضاره عليه الصلاة والسلام ، وسؤاله بنيه عن الدين فلم تدعون ما تدعون؟! قال ابن كثير في الآية : «يقول تعالى محتجا على المشركين من العرب ـ أبناء إسماعيل ـ وعلى الكفار من بني إسرائيل ـ وهو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم ، عليهمالسلام ـ بأن يعقوب لما حضرته الوفاة (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) وهذا من باب التغليب لأن إسماعيل عمه ، قال النحاس : والعرب تسمي العم أبا نقله القرطبي ... (إِلهاً واحِداً) أي نوحده بالألوهية ولا نشرك به غيره (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي مطيعون خاضعون ... والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة ، وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم» اه. ثم قال تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) الإشارة في (تِلْكَ) إلى إبراهيم عليهالسلام وأولاده والأمة هنا بمعنى : الجماعة (قَدْ خَلَتْ) أي قد مضت (لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) أي : إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين ، لا ينفعكم انتسابكم إليهم ؛ إذا لم تفعلوا خيرا يعود نفعه عليكم ، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أي لا تؤاخذون بأعمالهم ، نصت الآية على أن الكافر لا ينفعه كسب غيره متقدما كان أم متأخرا ، فكما أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا فكذلك أنتم لا ينفعكم