أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره ، وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما في أيدي الأمراء اليوم فالورع تركه ، ويجوز للمحتاج أخذه ... ، وإن كان ما في أيديهم ، ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم ، ولو كان ما في أيديهم من المال مغصوبا ، غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب ، فهو كما لو وجد في أيدي اللصوص وقطاع الطريق ويجعل في بيت المال ، وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد ، فإذا لم يعرف صرفه الإمام في مصالح المسلمين».
أقول : في خطبة الوداع قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون» ومن هنا نفهم أن الحركة الإسلامية إذا ورثت الحكم ففي القضايا المعلقة ستطبق الإسلام ، فلا يعطى إنسان ـ كان قد وضع ماله في بنك ولا يزال ـ ربا ، ولن يؤخذ من أحد ربا ، ولكن في القضايا المنتهية لا مراجعة ، فكل الأموال التي ترثها الحكومة الإسلامية ستتصرف بها في مصالح المسلمين ، أما ما قبل ذلك فالمسلم أحق من غيره في خزينة الدولة سواء كانت كافرة ، أو فاسقة ، على ألا يسرق ، أو يخون ، أو يضر بآخرين ، أو يغش ، وللمقاتلين حيث ـ يجوز القتال ـ أحكام خاصة ، ولقيادة الحركة الإسلامية حقوق في الحركة على ضوء الفتوى المعتبرة من أهلها ، لأنها هي الأحق بالتصرف في أموال الأمة فليلاحظ ذلك ، ولكنه مقام دقيق ومزلة قدم إن لم يكن ذلك على ضوء العلم والفتوى من أهلهما.
فصل في الحاكمين بغير ما أنزل الله :
بنص كتاب الله فإن الذين لا يحكمون بما أنزل الله ظالمون ، قال تعالى : (في سورة المائدة) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وبنص كتاب الله فهؤلاء لا يستحقون الإمامة فكيف يعطيهم مسلم تأييده وولاءه ، وكيف لا يضع يده بيد أهل الله للوصول إلى حكم الله!؟ غير أننا نحب أن نوضح أن الحركة الإسلامية وهي تواجه أوضاعا متعددة ، قد ترى شرا أهون من شر ، وضررا أهون من ضرر ، وظلما دون ظلم ، وبالتالي فإنها على ضوء الموازنة والمقايسة تختار أهون الشرين ، وأخف الضررين مبقية على نظام ـ إذا كان الذي بعده سيكون شرا منه ـ ما دامت لا تستطيع أن تغير النظام إلى إسلام كامل ، فليس المهم أن تسقط نظاما ، ولكن المهم أن يكون النظام البديل إما أحسن لإسلامنا ، أو هو إسلامي خالص ، وهذه قضية خطيرة ، وموازناتها صعبة ، وحكم الله أولا ، ثم الشورى ثانيا هما عصام الحركة عن الزلل الشرعي ، أو السياسي الاستراتيجي ، أو التكتيكي.