أساسه يقرر الإسلام شريعة الميراث (انسجاما مع تلك الفطرة) وتنشيطا لها لتعمل ولتبذل أقصى ما في طوقها من جهد ، وما المحاولات التي تبذل لتحطيم هذه القاعدة إلا محاولة لتحطيم الفطرة البشرية في أساسها ، وإلا تكلف وقصر نظر واعتساف في معالجة بعض عيوب الأوضاع الاجتماعية المنحرفة ، وكل علاج يصادم الفطرة لا يفلح ولا يصلح ولا يبقى ، وهناك غيره من العلاج الذي يصلح الانحراف ولا يحطم الفطرة. ولكنه يحتاج إلى هدى وإيمان ، وإلى خبرة بالنفس البشرية أعمق ، وفكرة عن تكوينها أدق ، وإلى نظرة خالية من الأحقاد الوبيلة التي تنزع إلى التحطيم والتنكيل أكثر مما ترمي إلى البناء والإصلاح» عن الظلال بتصرف.
فصل : في إقامة الحدود في الحرم :
قال القرطبي وهو مالكي عند قوله تعالى (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) استدل به أبو حنيفة وجماعة من فقهاء الأمصار على ترك إقامة الحد في الحرم على المحصن والسارق إذا لجأ إليه ، وعضدوا ذلك بقوله تعالى : (في سورة آل العمران) (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال : آمنوا من دخل البيت والصحيح (في ترجيح القرطبي) إقامة الحدود في الحرم ، وأن ذلك من المنسوخ ؛ لأن الاتفاق حاصل أنه لا يقتل في البيت ويقتل خارج البيت ، وإنما الخلاف هل يقتل في الحرم أم لا ، والحرم لا يقع عليه اسم البيت حقيقة ، وقد أجمعوا على أنه لو قتل في الحرم قتل به ، ولو أتى حدا أقيد منه فيه ، ولو حارب فيه حورب وقتل مكانه ، وقال أبو حنيفة : «من لجأ إلى الحرم لا يقتل فيه ، ولا يتابع ، ولا يزال يضيق عليه حتى يموت أو يخرج ، فنحن (أي المالكية) نقتله بالسيف ، وهو يقتله بالجوع والصد ، فأي قتل أشد من هذا؟. وفي قوله (أَمْناً) تأكيد للأمر باستقبال الكعبة ، أي ليس في بيت المقدس هذه الفضيلة ، ولا يحج إليه الناس ، ومن استعاذ بالحرم أمن من أن يغار عليه» أقول : نقلت الكلام الأخير لأن له صلة في السياق إذ مقطع إبراهيم مقدمة لمقطع القبلة الآتي.
فصل في أبناء إبراهيم :
رأينا أن الله عزوجل قال (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) هكذا بالجمع فمن هم أبناء إبراهيم سوى إسماعيل وإسحق؟ قال القرطبي : «ثم لما توفيت سارة ، تزوج إبراهيم عليهالسلام قنطورا بنت يقطن الكنعانية ، فولدت له مدين ومداين ونهشان وزمران