فقد انقاد واستسلم لله ، وليس كل من أسلم آمن بالله ، لأنه قد يتكلم فرقا من السيف ، ولا يكون ذلك إيمانا ، خلافا للقدرية والخوارج حيث قالوا : إن الإسلام هو الإيمان فكل مؤمن مسلم وكل مسلم مؤمن ، لقوله تعالى : (في سورة آل عمران) (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) فدل على أن الإسلام هو الدين ، وأن من ليس بمسلم فليس بمؤمن ودليلنا (أي أهل السنة والجماعة) ، قوله تعالى (في سورة الحجرات) (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فأخبر الله تعالى أنه ليس كل من أسلم مؤمنا ، فدل على أنه ليس كل مسلم مؤمنا وقال صلىاللهعليهوسلم لسعد بن أبي وقاص لما قال له : «اعط فلانا فإنه مؤمن ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم أو مسلم .. الحديث أخرجه مسلم. فدل على أن الإيمان ليس الإسلام ، فإن الإيمان باطن والإسلام ظاهر ، وهذا بين ، والإسلام ويراد به الإيمان للزوم أحدهما الآخر ، وصدوره عنه ، كالإسلام الذي هو ثمرة الإيمان ودلالة على صحته فاعلمه».
كلمة أخيرة في مقطع إبراهيم عليهالسلام :
١ ـ نحن لا زلنا في القسم الأول من أقسام سورة البقرة ، والذي بدايته المقطع الأول ، الذي حدد الطريق إلى التقوى ، وحدد الطريق إلى الكفر والنفاق ، ثم جاء مقطع آدم ، ومقطع بني إسرائيل ، ومقطع إبراهيم ، وكل من هذه المقاطع بين في الطريق إلى التقوى ، وفصل في الطريق إلى الكفر لتجتنب ، وإذ كان الطريق إلى التقوى هو عبادة الله وحده ، فإن مقطع إبراهيم عمق ذلك ، وعرفنا من خلاله أن الطواف بالبيت والعكوف فيه والركوع والسجود كل ذلك من العبادة. وإذ كان الركوع والسجود يحتاج إلى قبلة ، وإذ كانت كل المقدمات تشير إلى أن كعبة إبراهيم التي حولها يكون الطواف ، وإليها يكون الحج ، هي المرشحة لأن تكون قبلة المسلمين في صلاتهم ، فإن قلب محمد صلىاللهعليهوسلم كان يتطلع إلى ذلك ومن ثم كان المقطع اللاحق (في القبلة).
٢ ـ وبمقطع إبراهيم عليهالسلام ، ومن قبله مقطع بني إسرائيل ، اتضح الكثير من صراط المغضوب عليهم والضالين ، وصراط الذين أنعم الله عليهم ، في سياق تعليم العبادة والاستعانة بالله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ألا ترى كيف يبني إبراهيم وإسماعيل البيت وهما يدعوان.
وليكن هذا خاتمة الكلام عن مقطع إبراهيم لننتقل إلى الحديث عن مقطع القبلة :