قال مجاهد : «الران أيسر من الطبع ، والطبع أيسر من الأقفال ، والأقفال أشد من ذلك كله».
وقال مجاهد : «ثبتت الذنوب على القلب ، فحفت به من كل جوانبه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع ، والطبع : الختم» :
وقال : «كانوا يرون أن القلب في مثل هذه ـ يعني الكف ـ فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه وقال : بأصبعه الخنصر هكذا ، فإذا أذنب ضم وقال : بأصبع أخرى ، فإذا أذنب ضم ، وقال : بأصبع أخرى ، هكذا ، حتى ضم أصابعه كلها ثم قال : يطبع عليه بطابع. وقال مجاهد : كانوا يرون أن ذلك عين الران».
وفي الحديث الصحيح عن حذيفة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير القلوب على قلبين قلب أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض ، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا».
وأخرج الترمذي وغيره عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قوله : «إن المؤمن إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه. وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه ، فذلك الران الذي قال الله تعالى (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين : ١٤) قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
قال ابن جرير : فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها ، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع ، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ، ولا للكفر عنها مخلص ، فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) نظير الختم والطبع على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها ، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحل رباطه» اه.
فإذا علم الإنسان هذا وفهم قوله تعالى (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) وما أشبه ذلك من الآيات ، أدرك أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق.