بمعرفة ، والمعرفة تقتضي القيام بحقوق المعبود. (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.) الخلق هو إيجاد المعدوم على تقدير واستواء ، وتذكيره إيانا بخلقنا وخلق من قبلنا في سياق الأمر بالعبادة تهييج لنا على العبادة وتبيان أن من خلق هو الذي يستحق العبادة. (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لعل في أصل اللغة للترجي والإطماع ولكنه في القرآن إطماع من كريم ، فيجري مجرى وعده المحتوم وفاؤه ، فمن عرف الله حق المعرفة ووحده حق التوحيد ، وعبده حق العبادة ، وحققه الله عزوجل بالتقوى كان من المفلحين ، ففي الآية دعوة للناس جميعا أن يكونوا من الفئة الأولى التي ذكرت في مقدمة سورة البقرة ـ فئة المتقين ـ وذلك بسلوك طريق ذلك ، وطريق ذلك معرفة الله وتوحيده وعبادته. وقد عرفهم على ذاته بأنه خالقهم وخالق من قبلهم ، ثم أكمل التعريف على ذاته بقوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) معنى جعل : صير. والفراش كالبساط قال الألوسي : ومعنى صيرها فراشا أي كالفراش فى صحة القعود والنوم عليها قال السيوطي : أي بساطا يفترش لا غاية في الصلابة أو الليونة فلا يمكن الاستقرار عليها ، قال القرطبي : وما ليس بفراش كالجبال والأوعار والبحار فهي من مصالح ما يفترش منها لأن الجبال كالأوتاد .. والبحار تركب إلى سائر منافعها ، (وَالسَّماءَ بِناءً.) قال القرطبي : وكل ما علا فأظل قيل له سماء أقول : وقد شبهت السماء بالبناء في الآية لدقة إحكامها وكمال ترتيبها (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي من السحاب (فَأَخْرَجَ بِهِ) أي بالماء (مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ،) وهذا يقتضي منكم معرفة وعبادة وتوحيدا. ولذلك قال تعالى (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) الند : المثل ، ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوىء (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنها لا تخلق شيئا ولا ترزق ، وأن الله هو الخالق والرازق فهو صاحب الحق بالعبادة ويمكن أن يكون التقدير : فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم من أهل العلم بأصل الفطرة بأن الله هو المستحق للعبادة وحده.
ثم بعد أن عرفهم على ذاته من خلال ظاهرتي الخلق والعناية ، بما يثبت الوحدانية ويبطل الإشراك ويستوجب العبادة ويستأهل التقوى ذكر ما هو الحجة على إثبات نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وما يقرر إعجاز القرآن مما يستوجب السير على هداه لتحقيق التقوى وذلك في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي في شك (مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) العبد اسم لمملوك من جنس العقلاء والمراد به في الآية محمد صلىاللهعليهوسلم وكلمة (نَزَّلْنا) تفيد التنزيل التدريجي المنجم (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) السورة هي : الطائفة من القرآن المترجمة أي المعنونة