قصر الإمارة ، فلمّا حضر لديه غدر به ابن زياد وأودعه السجن.
فأمسى مسلم حائراً بنفسه ، فصادف في طريقه امرأةً من كندة اسمها طوعة ، فاستسقاها ماءً ، فجاءت المرأة بالماء وشرب ثمّ وقف ، فعرفت المرأة فيه الغربة والوحشة ، فدعته إلى بيتها لتخفيه حتّى الصباح ، حتّى جاء ابنها ، فسألها عن السبب في كثرة دخولها البيت ، فأخبرته بأمر مسلم بعد أنْ أخذت منه العهود على أنْ لا يفشي هذا السرّ ، لكنّه غدا إلى ابن الأشعث وأخبره بذلك ، فأبلغ ابن زياد ، فأرسل الجند للقبض عليه.
وكان مسلم يتلو القرآن دبر صلاته ، إذ سمع وقع حوافر الخيل وهمهمة الفرسان ، فأوحت إليه نفسه بدنو الأجل ، فبرز ليث بني عقيل من عرينه مستقبلاً باب الدار والعسكر وعليهم محمّد بن الأشعث ، وانتهى أمر المتقابلين إلى النزال ، ومسلم راجل وهم فرسان ، لكنّ فحل بني عقيل شدّ عليهم شدّ الضرغام على الأنعام ، وهم يولّونه الأدبار ويستنجدون بالحاميات ، وقذاءة النار ترمى عليه من السطوح ، وهو لا يزال يضرب فيهم بسيفه ويقول في خلال ذلك متحمّساً :
أقسمتُ لا أُقتل إلّاحرّا |
|
وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا |
ويجعل الباردَ سُخناً مُرّا |
|
رُدَّ شُعاعُ الشمسِ فاستقرّا |
كلُّ امرئٍ يوماً ملاق شرّا |
|
أخافُ أن أُكذَبَ أو أُغَرّا |
ثمّ اختلف هو وبكير بن حمران الأحمري بضربتين ، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى ونصلت لها ثنيّتان ، فضربه مسلم ضربة منكرة في رأسه ، وثنّى بأُخرى على حبل عاتقه كادت تأتي على جوفه ، فاستنقذه أصحابه ، وعاد مسلم ينشد شعره.