اضطُرّ ابنُ الأشعث إلى وعده مسلماً بالأمان إذا ألقى سلاحه ، فقال : لا أمان لكم.
وبعدما كرّروا عليه ، رأى التسليم فريضة ، محافظة للنفس وحقناً للدماء ، فسلّم إليه نفسه وسلاحه ، ثمّ استولوا عليه ، فعرف أنّه مخدوع ، فندم ولات حين مندم.
ثمّ أقبل محمّد بن الأشعث بمسلم إلى باب القصر ، فاستأذن فأُذن له ، فأخبر عبيد الله بخبر مسلم وضرب بكير إيّاه.
فقال : بعداً له.
فأخبره بأمانه ، فقال : ما أرسلناك لتؤمنه ، إنّما أرسلناك لتأتي به ؛ فسكت.
وانتهى مسلم إلى باب القصر وهو عطشان ، وعلى باب القصر أُناس ينتظرون الإذن ، منهم : عمارة بن عقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن حريث ، ومسلم بن عمرو الباهلي ، وكثير بن شهاب ، فاستسقى مسلم رضي الله عنه الماء وقد رأى قلّة موضوعة على الباب ، فقال مسلم الباهلي : أتراها ما أبردها ، لا والله لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم.
فقال له : ويحك من أنت؟!
قال : أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.
فقال : لأُمّك الثكل ، ما أجفاك وما أفظّك وأقسى قلبك وأغلظك! أنت يا بن باهلة أَوْلى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي.