ليقرّبوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم ، بمعنى أن يفيضوا إليهم من الخير الذي يفيض عنهم ، كما في الملائكة ، أو لا يصيبوهم بالشر الذي يترشح عنهم ، كما في الجن ، فإن كلّا من هؤلاء المعبودين يرجع إليه تدبير أمر من أمور العالم الكلية ، كالحب والبغض والسلم والحرب والرفاهية وغيرها ، أو صقع من أصقاعه ، كالسماء والأرض والإنسان ونحوها.
فهناك أرباب وآلهة يتصرف كل منهم في العالم الذي يرجع إليه تدبيره ، كإله عالم الأرض ، وإله عالم السماء ، وهؤلاء هم الملائكة والجن وقدّيسو البشر ، وإله عالم الآلهة وهو الله سبحانه ، فهو إله الآلهة وربّ الأرباب.
إذا عرفت ما ذكرناه ، بان لك أن لا معنى صحيحا لقولنا : رب العالمين ، عند الوثنيين ، نظرا إلى أصولهم ، إذ لو أريد به بعض هذه الموجودات الشريفة الممكنة بأعيانهم ، فهو رب عالم من عوالم الخلقة ، وهو العالم الذي يباشر التصرف فيه كعالم السماء وعالم الأرض مثلا ، ولو أريد الله سبحانه ، فهو رب عالم الأرباب ، وإله عالم الآلهة فقط دون جميع العالمين ، ولو أريد غير الطائفتين من الرب الواجب الوجود ، والأرباب الممكنة الوجود ، فلا مصداق له معقولا.
فقوله : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) سؤال منه عن حقيقة رب العالمين ، بيانه أن فرعون كان وثنيا يعبد الأصنام ، وهو مع ذلك يدعي الألوهية. أمّا عبادته الأصنام فلقوله تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] ، وأمّا دعواه الألوهية ، فللآية المذكورة ولقوله تعالى : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤].
ولا منافاة عند الوثنية بين كون الشيء إلها ربا وبين كونه مربوبا لربّ آخر ، لأن الربوبية هو الاستقلال في تدبير شيء من العالم ، وهو لا ينافي الإمكان والمربوبية لشيء آخر ، وكل ربّ عندهم مربوب لآخر ، إلا الله