سبحانه ، فهو رب الأرباب لا ربّ فوقه ، وإله الآلهة لا إله له.
وكان الملك عند الوثنية ظهورا من اللاهوت في بعض النفوس البشرية بالسلطة ونفوذ الحكم ، فكان يعبد الملوك كما يعبد أرباب الأصنام وكذلك رؤساء البيوت في بيوتهم ، وكان فرعون وثنيا يعبد الآلهة وهو ملك القبط يعبده قومه كسائر الآلهة.
فلما سمع من موسى وهارون قولهما : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعجب منه ، إذ لم يعقل له معنى محصّلا ، إذ لو أريد به الواجب وهو الله سبحانه ، فهو عنده ربّ عالم الأرباب دون جميع العالمين ، ولو أريد به بعض الممكنات الشريفة من الآلهة كبعض الملائكة وغيرهم ، فهو أيضا عنده ربّ عالم من عوالم الخلقة ، دون جميع العالمين فما معنى رب العالمين. ولذلك قال : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) فسأل عن حقيقة الموصوف بهذه الصفة ، بما هو موصوف بهذه الصفة ، ولم يسأل عن حقيقة الله سبحانه ، فإنه لوثنيته كان معتقدا بوجوده ، مذعنا له ، وهو يرى كسائر الوثنيين ، أنه لا سبيل إلى إدراك حقيقته ، كيف ، وهو أساس مذهبهم الذي يبنون عليه عبادة سائر الآلهة والأرباب كما سمعت» (١).
أمّا تعليقنا على ذلك فهو : إن هذا التحليل طريف ودقيق ، ولكننا لا نستطيع فهمه من جوّ الآية ، فليست القضية عنده هي مفهوم رب العالمين ، أو رب عالم الأرباب ، بل الظاهر أن القضية هي طرح مفهوم الإله الشامل للكون كله وللعوالم كلها في مواجهة ربوبية فرعون وأمثاله. ولهذا رأيناه يتهدد موسى بأنه سيتعرض للسجن إذا اتخذ إلها غيره ، كما رأيناه يتحدث مع هامان في قوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ* أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ
__________________
(١) تفسير الميزان ج : ١٥ ، ص : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.