خلال قوّته وأصالته.
(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) لنعرف أن جهدنا لن يكون جهدا ضائعا ، ولنتصرف من موقع المهنة التي تريد أن تؤكد ذاتها في الربح الكبير ، مما يزيد الجهد حماسا وقوّة ، (قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فلن تقتصر المسألة على الأجر المادي ، بل سيتبع ذلك الأجر المعنوي ، وهو القرب إلى مواقع الحظوة والسلطة من فرعون ، لأنهم استطاعوا أن ينقذوا الملك من عوامل الاهتزاز الذي قد يهدد أساسه ، ويسقط قوّته.
(قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ* فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) وهكذا أطلق موسى التحدّي ليوحي إليهم بقوّة موقفه وثقته بأن النتيجة الأخيرة ستكون لصالحه ، فليلقوا كل ما لديهم من وسائل السحر. واندفعوا في عملية إيحائية بالدور الموكل إليهم في الدعاية لربوبية فرعون ، وللتأكيد في وعي الجماهير أن قوته السحرية الخارقة هي التي تجلب الحظ ، وهي التي تحقق الغلبة لأتباعه ، تماما كما يفعل العبيد مع أربابهم. وهكذا كانوا مستغرقين في أحلام القوة الذاتية من خلال ما يملكونه من عناصر الفن السحري ، وتمنيات الربح الوفير على المستوى المادي والمعنوي من خلال وعود فرعون لهم بالجائزة وبالقرب منه. وهنا كانت المفاجأة التي قلبت الأمور رأسا على عقب ، وأسقطت كل حساباتهم ، وهزمت كل قواعد السحر عنده ، لأن ما يرونه ليس سحرا ، ولكنه غيب من الغيب الذي لا يملكه إلا الله (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) استطاعت العصا التي تحوّلت إلى ثعبان عظيم بقدرة الله أن تبتلع كل تلك الحبال والعصيّ ، بطريقة غامضة لا يملكون لها تفسيرا في ما يعرفونه من قواعد السحر.
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ* قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ* رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) فقد رأوا عظمة الله في عظمة المعجزة ولم يروا فيها شخصية موسى في قدراتها