وأفكارهم ، فلا تستطيع أن تفكر بعقل متوازن ، أو تتكلم بكلام موزون معقول ، وهذا ما جعلك تدّعي النبوّة والرسالة من الله سبحانه مما لا يقبله عقل ولا منطق ، و (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فهل يمكن أن يكون البشر نبيا ، وكيف يتصل البشر بالله في مواقع الغيب ، وكيف يميز الله بشرا عن بشر في ذلك من دون أن يكون هناك امتياز ذاتي في الصورة والقدرة ، كما هي الحال بيننا وبينك ، فإنك بشر مثلنا ، فلا يميزك أيّ شيء عن أيّ واحد منا ، فإذا كنت صادقا في ذلك (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) لنعرف صدق دعواك من صدق دليلك ، لأن الدعوى التي لا يملك صاحبها دليلا عليها ، لا قيمة لها في حساب الفكر والإيمان.
(قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) فهي آية من آيات الله التي لم يسبق لكم أن رأيتم مثلها ، لأن في داخل شخصيتها معجزة إلهيّة ، فهي تستطيع أن تسقي البلد كلها من لبنها ، مما لم يعهد في أيّة ناقة أخرى ، ولكنها إذا أرادت أن تشرب ، فلا بد من أن لا يشرب معها أحد طيلة اليوم ، فلا بد من تقسيم اليوم بينكم وبينها ، فلها شرب يوم كامل ترتوي فيه من الماء ليتحول إلى لبن ، ولكم شرب يوم معلوم.
(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) لأن ذلك يمثل التمرد على الله في مواجهة آياته التي يتطلبها الناس ويقترحونها ، فإذا استجاب لهم ، فمعنى ذلك أن الله لا يمهلهم إذا كذبوا وتمردوا وأساؤوا.
ولكنهم تآمروا في ما بينهم على قتلها ، لأنهم لم يطيقوا انتصار صالح عليهم بهذه المعجزة العجيبة التي لا يملكون لها أيّ تفسير مادّي معقول ، (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) لأنهم كانوا خاضعين في اندفاعهم العدواني لقتل الناقة ، لحالة انفعالية مجنونة ، بفعل تأثير التوجيه الضّال الذي قادهم إليه المستكبرون من أصحاب الامتيازات الظالمة من رؤسائهم المنحرفين ، للحفاظ على امتيازاتهم دون مصالح المستضعفين ، عبر ما يوحون به إليهم من أفكار