هذا الموقع الذي يتصورون فيه الشخص الذي يملك صلة بالجن والشياطين الذين يوحون إليه ببعض الغيبيّات والأفكار ، فيبطل تأثيره فيهم في أجواء القداسة الرسالية التي تربطه بالله ، وتطل به على آفاق الغيب ومواقع الوحي الإلهي. ولهذا جاءت هذه الآيات لتركز على هؤلاء الذين تتنزل عليهم الشياطين بالخيالات والأوهام الكاذبة فلا يملكون من الحقيقة شيئا ، بل يطلقون الدعاوي في مصادرهم الغيبية من دون أساس ليعرف الجميع أن النبي ليس من هذه الجماعة ، وأن رسالته لا تحمل ملامح كلماتهم الزائفة ، وأن الذين يتحركون في طريق الكذب والإثم والجريمة هم جماعة الشياطين ، بقطع النظر عما إذا كانت لهم صلة مباشرة بهم ، أو لم تكن لهم تلك الصلة ، بل كانت المسألة مسألة الأجواء الشيطانية في الفكر والحركة.
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) أيها الكافرون الذين تتحدثون بأن النبي يستقبل الشياطين الذين يوحون له ما يتلوه عليكم من قرآن من دون حجة لديكم في هذا الحديث ، (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) من هؤلاء الذين جعلوا الكذب المتعدد الألوان ، المتنوّع الأوضاع ، المتحرك في كل المواقع القلقة الخاضعة للاهتزاز ، وأولئك الذين يمارسون الجرائم والمعاصي التي تغرق في أوحال الإثم ، فلا تصدر منهم إلا الخيالات المريضة والأكاذيب الخبيثة والحكايات السخيفة التي لا تفتح العقل على حجة ، ولا تملأ القلب بالحقيقة.
أمّا هذا الرسول الذي يأتي بالقرآن في حقائقه الفكرية والعملية التي تنظم الحياة على أساس الحق ، وتحرّك النظام في طريق العدل ، وتثبّت الإنسان على القاعدة الضاربة العمق في أعماق الوجود فلا يفسح المجال للعبث ، ولا يحرّك الخطى في مواقع الاهتزاز ، ولا يسمح للوهم أن يقترب من ساحة الحق ، ولا للظلام أن ينفذ إلى مشارق النور.
أمّا هذا الرسول ، في ما يأتي به من الوحي ، فلا يمكن أن يكون صاحب