مظاهر ذلك شيئا؟ كيف يمكن للرسول أن يكون بشرا في ممارساته الغذائية التي تتمثل في أكله للطعام ليسد جوعه كما نأكل ، وفي حركته الجسدية ، التي تتمثل في مشيه في الأسواق ليكتسب عيشه ، كما نفعل ، في الوقت الذي نرى فيه الرسالة تتصل بالغيب الإلهي في ما يفرضه ذلك من ضرورة اتصاف الرسول بالمعنى الغيبي في شخصيته ، وبالكيان التجريدي في ذاته ، فلا يكون له حاجات المادّة ، ولا ضغط الحاجة ، لأن الذي يتلقى وحي الإله لا بد من أن يكون فيه شيء من سرّه ، تبعا للانسجام بين الغيب في المعنى والغيب في الذات؟!
إننا نجد من خلال تفكيرهم هذا ، أن المضمون الفكري لهؤلاء في شخصية الرسول يحمل الاحتقار للإنسان في بلوغ هذه الدرجة من السموّ ، والإيمان بعجزه عن التلقي للوحي الإلهي من موقع القصور الذاتي لديه ، لأن ذلك هو موقع الملائكة المقربين القريبين إلى أجواء الإله ، البعيدين عن قذارات الجسد الإنساني وعن حدوده المادية.
(لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) ليكون ذلك سبيلا من سبل التصديق برسالته ، وليكون الملك هو الذي يحمل الرسالة من الله من خلال قابليته لذلك ، وهو الذي يعلّم هذا الشخص قواعدها ومفاهيمها ، ويتدخل في تعميق شخصيته بالإيحاء الروحي الغيبي الذي يثير في ذاته المعنى الغيبي والعمق الروحي ، ثم يتحرك معه في الساحة لينذر الناس معه فيصدقوه بذلك عند ما يرون الملك الرسول يتحرك في الإنذار مع الإنسان الرسول.
(أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) ثم تصغر الصورة عندهم ، وتنكمش المطالب ، فلا بد من وضع غير عادي يتميز به هذا الرسول ليقنع الناس برسالته ، وليفهموا بأن هناك شيئا غيبيّا في ذاته ، فلو ألقي عليه من السماء كنز يجعله غنيّا عن الآخرين أو كانت له جنة منتجة مثقلة بالفواكه