خلاله في هذا المكان البارد.
* * *
موسى أمام المفاجأة الإلهية
وهنا كانت المفاجأة التي لم يحسب لها حسابا ، فقد كان يفكر أنه سيجد نارا عادية كبقية أنواع النار المعروفة ، ولكنه وجد نارا مقدّسة تختلف عما رآه ، فليس هناك إنسان إلى جانب النار يلقي فيها الحطب ، ليستمر اشتعالها بشكل عاديّ ، ولكنها تشتعل وتشتعل (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وها هو يسمع كلاما ولا يرى شخصا ، ويستمع بذهول واستغراب ، إعلانا بالبركة التي تمثل امتداد الخير في الحياة ، ولكن من هو المبارك الذي ينفع الناس بمواقع الخير لديه ، (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) فهل هو الله باعتبار قدرته التي أوقدتها على أساس أن صاحب القدرة موجود من ناحية معنوية ، في مظاهر قدرته ، كما هو السلطان متمثل في مواقع سلطته؟
وهناك وجوه أخرى تقول : إنه الملائكة الحاضرون فيها ، ومن حولها أي موسى ، أو أنه موسى وبمن حولها أي الملائكة ، أو نور الله وبمن حولها موسى ، وغير ذلك مما لا دليل عليه. ويمكن أن تكون الكلمتان تعبيرا عن الله ، باعتبار أنه محيط بالأشياء ومهيمن عليها في عمقها وسعتها ، فهو في الداخل في عمق القدرة ، وحولها في امتدادها في حدود الأشياء ، لأن السياق يوحي بأن المراد توجيه موسى إلى الله في مظهر قدرته بشكل غامض يوحي به ولا يعلن عنه ، ليكون ذلك مقدمة للإعلان عنه بطريقة واضحة.
(يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فتعال إليّ ، وأقبل عليّ ، واستمع إلى ما أقوله لك. واعتمد على قوتي أمام كل القوى ، واتبع هداي إذا سلك الناس طرق الضلال ، فأنا العزيز الذي يهيمن على كل شيء ، ويكفي من كل شيء ، ولا يكفي منه شيء ، وأنا الحكيم الذي أعطيت كل شيء هداه في ما يصلح