أمره ، ويبتعد به عن مواقع الاهتزاز والفساد والسقوط ، وجعلت لكل شيء قدرا.
وانتبه موسى إلى الصوت الإلهيّ بكل وعيه وشعوره ، وعاش معه في ذهول وخشوع ، ووقف ينتظر المزيد. ماذا بعد ذلك؟ وما هي المهمّة الإلهية الموكولة إليه؟ وجاءت المفاجأة الثانية.
* * *
موسى أمام المفاجأة الإعجازية
(وَأَلْقِ عَصاكَ) وألقاها من دون أن يعرف كيف ولماذا هذا الأمر الغريب ، (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) مما كان يتخيله من صورة الجان الذي يتحرك ويتلوى ويرتفع ويهبط (وَلَّى مُدْبِراً) واستمر في هروبه من هذه الحية الصغيرة السريعة الحركة ، التي فسّر بها بعض كلمة الجان ، (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ولم يعد إلى مكانه بما يتمثل بالخوف الغريزيّ الذي يستسلم إليه الإنسان عند وجود ما يثيره ، بشكل عفويّ ، وبالحيرة القلقة أمام هذا الحدث المفاجئ المرعب ، (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) فأنت هنا أمام الله ولم يحدث ما حدث لك إلا بأمره ، فكيف تخاف وأنت في أمنه وقد أعطاك الدور الكبير في حياتك وحياة الناس وهو الرسالة الإلهية التي أدراك أن تبلغها للناس؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يخاف لديه المرسلون ، وهو الذي تكفل لهم بالأمن والنصرة والتأييد؟ وكان هذا أوّل إعلان للرسالة بشكل عفويّ غير مباشر.
وهكذا يؤكد لنا القرآن نقاط الضعف البشري لدى الأنبياء بشكل طبيعيّ غريزي ، ثم يتدخل الوحي ليثبّت النبيّ في وعيه لعناصر القوّة في ذاته ، بما يحشده الله من تعاليمه ، وما يفيض عليه من ألطافه ، وما يثيره النبي في تجربته من إرادته.