وقد أوحى الله إلى موسى من خلال هذه الآية كيف يمكن له أن يحصل على الطمأنينة الداخلية في نفسه من كل عوامل الخوف التي تتحرك في شخصيته في الداخل ، أمام مظاهر التخويف من الخارج ، ليعرف أن الله قد تكفل له بالرعاية والأمن ، فلا مجال لأيّ شيء من بشر أو غير بشر أن يضغط على نفسه بالتخويف والترهيب ، لأنه لن يترك أيّ تأثير ضدّه أمام رعاية الله له (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) الظاهر ـ والله العالم ـ أن الاستثناء منقطع مما يمكن أن يستفاد من الآية السابقة من الإيحاء بأن غير المرسلين من هؤلاء الذين يظلمون أنفسهم بالابتعاد عن مواقع غفران الله لا أمن لهم عنده ، فهم غير امنين من عقابه ولا قريبين من رحمته. فجاءت هذه الاية لتكون استثناء من ذلك لتبين بأن هؤلاء الظالمين لأنفسهم بما أساؤوا في العقيدة ، أو في العمل ثم أحسنوا بالإيمان والطاعة فبدّلوا مواقفهم على أساس الإنابة إلى الله ، سوف يغفر الله لهم ويرحمهم لأنه يقبل التوبة عن عباده وهو الغفور الرحيم. وبذلك تتضمن كلمة (إِلَّا) معنى كلمة «لكن» المفيدة للاستدراك كما هو مفاد الاستثناء المنقطع ، كما قيل.
(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي من غير برص ، لأن البياض غير الطبيعي لليد يلازم البرص عادة ، (فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) مما تقدم ذكره في سورة الإسراء في تفسير الآية ١٠١ منها ، وذلك للتأكيد لهم على موقع موسى من ربّه وصدقه في دعواه الرسالة لتقوم الحجة عليهم ، فتضغط على عنادهم ومكابرتهم (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) فقد ارتفعوا بكبريائهم وغطرستهم عن مستوى طاعة الله وتقواه وانحرفوا عن الخط المستقيم ، فكان لا بد لهم من صدمة قوية تصدم مقاومتهم وتضعف قوّتهم بتلك الآيات البينات التي يتمثل فيها التدبير الإلهيّ ، ليعودوا إلى أنفسهم من جديد.
(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) بما تفتحه من حقائق وما تثيره من أفكار وتلتقي