به من موقع النور في حقائق الحياة في علاقة الله بكل ما فيها من قوى ومظاهر وأوضاع ، (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) لأن هذه الكلمة هي التي يمكن أن تبرر الموقف المعلن لهم في رفض رسالة موسى ونبوّته أمام الجمهور الذي قد يطالبهم بالإيمان من خلال قوّة الحجة التي تقدمها لهم الآيات ، وقد كان السحر شائعا في حياة الناس الذين يرتبطون بالسطح في دراسة الأمور ولا ينفذون إلى العمق ليكتشفوا الفرق بين المعجزة والسحر.
(وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) فلم يكن جحودهم الذي بدر منها منطلقا من حالة فكرية تبرّر لهم ذلك مما يمكن أن يكونوا قد اكتشفوه في هذه الآيات من نقاط ضعف ، وما عرضه موسى في رسالته من مواقع رفض ، بل كان منطلقا من مشاعر الظلم العدواني الذي يرفض أن يقف فيه الإنسان عند حدّه وحجمه الطبيعيّ ، ومن طبيعة الاستعلاء الذاتي أن يمنع الإنسان من القبول بالحقيقة التي يتحدث بها الناس الذين هم أقلّ منه قدرا وطبقة في ما هي الموازين المألوفة لدى المجتمع في تقدير الأفراد تبعا لقوّة المال والجاه والنسب. وهذا هو الذي يسفر جحود الكثيرين من الناس لحقائق الحياة والإيمان ، في طبيعة الموقف ، في الوقت الذي نلمح فيه الحقيقة في مواقع اليقين المشرق بالعمق الإيماني المتفجر بينابيع النور.
وماذا كانت النتيجة؟ هل استطاعوا أن يطمئنوا إلى كفرهم وجحودهم وكبريائهم في مواقع السلطة؟ لم يبق لهم شيء من ذلك ، فأغرقهم الله وأسقط كل دورهم الكافر والظالم ، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ، (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) الذين أفسدوا حياة الناس بالكفر ، وأوضاعهم بالظلم والعدوان. واعتبر بذلك لتصل إلى الفكرة القائلة بأن الفساد قد يتحرك ليثبت أقدامه في الواقع ، ولكنه لن يصل إلى الثبات في مواقعه وحركته مهما طال الزمن.