فإنهم يحصلون من خلالها على صفاء الروح والعقل ، واستقامة السلوك العملي في الخط الصحيح ، وينفتحون على العمق الإنساني في شخصياتهم عند ما يعبرون عن انفعالهم بالقيم الروحية في استجابتهم للإحسان الإلهيّ في مواقع النعمة الظاهرة والباطنة. (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) لأنه إذا كان لا يحتاج إلى وجود الإنسان ، باعتبار أنه هبة منه ، وليس حاجة له ، فكيف يحتاج إلى التعبير اللفظي والعملي في حركته تجاه نعم الله ، وبهذا فإن كفر الكافر للنعمة يرتد إليه ليعبر به عن حقارة الشعور الإنساني لديه ، ولا يرتد على الله لأنه لا يؤثر في أيّ موقع من مواقع عظمته المطلقة وغناه الذاتي الذي لا حدّ له ، وكرمه الفيّاض باللطف والرحمة الذي يشمل عباده كلهم بعطائه ، الكافر منهم والشاكر.
* * *
العرش أمام سليمان
وهكذا عاش سليمان أمام هذه النعمة الإلهية بتسخير الله له القوّة بجميع وسائلها ، ليؤكد سلطته التي لن يحركها في خدمة ذاته ، بل في خدمة رسالته. وبدأ يستعد للقاء ملكة سبأ التي اهتزت لتهديد سليمان ، فعزمت على القدوم إليه للتعرف على أهدافه ومواقفه ، ولم يكن الإتيان بعرشها إلى مجلسه وسيلة من وسائل التأثير على موقفها النفسي بما يشبه الصدمة التي تعبر بها إلى روحية الفطرة الصافية ، ولكنه كان يريد أن يثير فيها التفكير الذي يتحرّك بين السلب والإيجاب في الوقوف أمام هذه الظاهرة العجيبة ، ولهذا أراد أن يجري فيه بعض التغييرات الشكلية التي قد تثير فيها احتمالا آخر ، لتتحير فيه هل هو عرشها ، أو هو نسخة منه مشابهة له.
(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) بالطريقة التي قد لا توحي بملامحه التفصيلية