الحقيقية ، (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) ليختبر عمق تفكيرها في التعرف على الظاهرة في موقف تأمّل ، وعلى خلفية الفكرة التي تختفي وراءها ، لأن المسألة عنده هي في إعداد الأجواء لهدايتها وهداية قومها إلى الدين الحق ، لا لتأكيد السلطة العمياء على مواقعها القويّة في الساحة العامة ، ولذلك كانت إثارة التفكير لديها ولدى قومها ، هدفا ملحوظا في كل حركة الظاهرة العجيبة على مستوى المرحلة الأولى من أجل الوصول إلى الهدف الأعمق وهو الهداية في المرحلة الأخيرة. (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) هل يشبه شكله شكله؟ وهل ترين فيه الصورة الدقيقة كما لو كان نسخة أخرى عنه؟ (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) في دقّة الملامح وتفاصيل الصورة ، ولكن ليس من المعقول أن يكون هو ، لأنه لا يزال هناك في مكانه في اليمن ، فكيف يمكن أن يكون هنا؟
(وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) في ما استطعنا أن نصل إليه من معرفة حقائق الأشياء التي تقود إلى الهداية ، (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) لله في اطلاعنا على آياته ودلالاتها على الحق المنطلق في رحاب الله ، والمنزل منه. والظاهر أنه نوع من التعليق على موقفها الحائر ، وخطها الضالّ ، لأنها لا تملك القاعدة التي تعطيها سعة المعرفة وشمولها بالمستوى الذي يجنبها الضلال ، وربما كان المتكلم به ، هو سليمان. وقيل إنه من كلام الملكة ، فهي لما رأت العرش وسئلت عن أمره ، أحست أن ذلك منهم تلويح إلى ما آتى الله سليمان من القدرة الخارقة للعادة فأجابت بقولها : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) إلخ .. أي لا حاجة إلى هذا التلويح والتذكير ، فقد علمنا بقدرته قبل هذه الآية أو هذه الحالة (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) لسليمان طائعين له.
وهذا الوجه غير ظاهر ، لأن الجو الذي يوحي به السياق ، هو التأكيد على الضلال الناشئ من الجهل الذي كانت تتخبط فيه ويمنعها عن الإسلام الذي دعاها إليه سليمان ، كما أنه لم يظهر من طبيعة حركة الموقف في القصة ، قبل هذه المرحلة ، ما يوحي بوجود أساس للعلم بقدرته الغيبية الدالة على