مواقع الإيمان برسالته ، مما يقتضي الإسلام له والطاعة لقيادته ، (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) فلم تنفتح على الإسلام على أساس الحواجز النفسية التي كانت تنتصب في داخل شخصيتها الذهنية في عبادتها لغير الله مما كان يمنعها من اللقاء بالإسلام لله ، (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) وهذا هو السبب في عبادتها للشمس ، فهي لم تكن نتيجة قناعة فكرية في ما كانت تفكر به من شؤون العبادة بل كانت نتيجة تقليد للمجتمع الكافر الذي تنتمي إليه بالنسب والتربية ، فتتأثر به تلقائيا بفعل الجو والعادة والتربية.
(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) وهو البناء المشرف العالي الذي كان معدّا لنزولها كضيفة محترمة ، مما كان متعارفا عليه من تكريم العظماء في استقبالهم وإعداد المكان اللائق بهم (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) وهي الماء الكثير (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) كما يفعل الإنسان عند خوضه الماء ، لئلا تبتلّ ثيابها. وقد كان ذلك من خلال صفاء الزجاج الذي يشبه صفاء الماء الذي كان يجري من تحته ، حتى خيّل إليها أنها تخوض في الماء ، (قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) فهو مملّس من الزجاج وليس بلجة ، وكانت تنظر إلى كل هذا الجو المثير الذي يوحي بالعظمة التي تفوق عظمة الملوك وتلتفت إلى سليمان ، فترى فيه تواضع الأنبياء ، ورحمة الرساليين ، فلم تلمح فيه أي تكبر أو تجبر ، بل كانت تجد فيه الوداعة والصفاء والروحية الطاهرة. وربما دخلت معه في حوار طويل حول عبادة الشمس وعبادة الله ، فاقتنعت بمنطقه ، وعرفت حقيقة الأمر في العقيدة مما لم يفصل القرآن حديثه ، على طريقته في اختصار التفاصيل ، لاهتمامه بالنتائج المتحركة في خط الهداية ، لأن طبيعة الجو الذي انتهت إليه القصة يوحي بمثل ذلك.
* * *