عن التوازن بين الحاجة والرغبة. ولهذا كانت فاحشة تتجاوز الحدود المرسومة في إشباع الغريزة ، فلم ينطلق الوضع التكويني للرجل ليكون عنصرا سلبيا في غريزة الجنس فيكون مفعولا ، بل ليكون عنصرا إيجابيا فاعلا في ذلك لأن الإعداد الجنسي لا يقتصر على مجرد إمكانات الإشباع ، بل على الأجواء المتنوعة المتفاعلة طبيعيا في ما يجمع بين الرغبة والحاجة في روحية الممارسة وحركتها المادية.
ولهذا ، فإن القرآن يحدثنا عن لوط كيف كان يوبّخ قومه ويحتجّ عليهم ، كيف تأتون الفاحشة جهارا كمسألة طبيعية (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) وترون نتائجها المضرّة على مستوى حياتكم العامة والخاصة ، أو وأنتم في حال يرى بعضكم بعضا وينظر بعضكم إلى بعض ، كما ذكر بعض المفسرين. ولعل الوجه الأول أوفق بالجو السياقي للآية ، لأن الظاهر أن التنديد بالفاحشة كان منطلقا من طبيعة قيامهم بها من موقع الوعي لطبيعتها السلبية التي تستتبع الارتداع عنها ، لا من قاعدة الرؤية الحسية لها ، لأن مشاهدة بعضهم البعض في ما تسالموا عليه من الفعل لا يثير الرفض الفكري له ، والله العالم.
(أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) في ما تتمثل به الفاحشة في سلوككم العملي مما لا يتقبله الوجدان الفطري للإنسان من خلال دراسته للإعداد الطبيعي للتفاعل الجنسي بين الرجل والمرأة في تكوين المرأة وإعدادها للجنس الذي يجمع في داخله أكثر من نتيجة إيجابية طبيعية على مستوى الحاجة الذاتية للشهوة وللرغبة ولاستمرار الحياة الإنسانية من خلاله ، كما هو الحال في حركة الغرائز في جسد الإنسان في تنوّع النتائج في العمل الواحد ، فكيف تأتون ذلك (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) لا تتحركون في حياتكم من موقع الوعي المنفتح على طبيعة الأشياء ، بل من موقع الجهل الطاغي الذي لا يحسب أيّ حساب للمصلحة والمفسدة في حياة الإنسان ، بل كل ما عنده هو الانفعال بالمزاج الذاتي للرغبة الخاصة.